تطوير العتبة وحديقة وسورالأزبكية وعمارة تيرنج

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

فى ظل احتفالية مصر والمصريين بافتتاح المتحف المصرى الكبير وهى مناسبة لا تتكرر كثيرًا فى حياة الشعوب يحق لنا أن نشير لإنجازات أخرى محلية وداخلية تهم المواطن الشعبى المحلى وأهمها تطوير أربع علامات معمارية وعمرانية مهمة تستحق التوقف عندها احتفاءً ودرسًا وتأملًا وبحثًا عن مقترحات وأفكارجديدة ربما تمثل الأفضل والأجمل والأهم لمصر، أولها: بعد تجارى تمثله سوق العتبة المكتظة بالباعة الجائلين من كل حدب وصوب، ثانيها: بعد ترفيهى عمرانى تمثله حديقة الأزبكية بحسن تنسيقها وتنوع نباتاتها وأشجارها النادرة القديمة وذكرياتها فى موروث الحنين المصرى للماضى الجميل.

ثالثها: بعد ثقافى يمثله سور الأزبكية بتاريخه العريق وقوته الناعمة المستمرة ورابعها: بعد معمارى حضارى يمثله مبنى تيرنج برمزيته وخصوصية عمارته وتميز نشاطه عند إنشائه والمشهور بعمارة اليهود.

البعد الأول: بعد تجارى تمثله سوق العتبة الخضراء التى يرتبط اسمها بعدة معان فلكورية خفيفة الظل تربط بين الجدية والفكاهة، فالحس الشعبى المصرى يقدر النكتة ويتفاعل معها قولًا وتمثيلاُ ورسمًا كاريكاتيرًا، وتشتهر العتبة الخضراء بفيلم كوميدى يباع فيه الميدان بكل ملحقاته إلى الكوميدى إسماعيل يس من قسم شرطة الموسكى ومركز المطافى وهيئة البريد والترام القديم أيضًا.

 

صورة تاريخية للعتبة الخضراء

سمع القاهريون باسم «العتبة الخضراء» لأول مرة فى عام 1845 بسبب قصر «العتبة الخضراء»، الذى بناه أحمد باشا طاهر حاكم الصعيد لمدة 22 عامًا، وكان القصر يقع على الأرض التى يشغلها الآن ميدان العتبة والشارع الذى يمتد من جانب هيئة البريد إلى تمثال إبراهيم باشا.

 

 

تشهد العتبة الآن بلا شك نقلة حضارية غير مسبوقة فى السوق التاريخية، تلك المنطقة المكتظة بالباعة الجائلين بأعداد كثيفة جدًا مما يستلزم حساسية شديدة وحكمة سياسية وحنكة إدارية فى التعامل مع تلك الأعداد من طالبى الرزق الكادحين ومع أيضًا طالبى تجارتهم لرخص ثمنها وتوفرها على مدار العام.

 يستهدف مشروع تطوير سوق العتبة إعادة إحياء المناطق التاريخية وتنظيم الحركة التجارية فى الأسواق العشوائية وتهيئة بيئة تجارية آمنة وحضارية تدعم دمج الأنشطة غير الرسمية فى الاقتصاد الرسمى مما يرفع القيمة الاقتصادية والاستثمارية لوسط القاهرة مع تحسين جودة الحياة فى قلب القاهرة مراعية تحويلها إلى مراكز حضارية وتجارية منظمة تواكب متطلبات التنمية العمرانية المستدامة، مع الحفاظ على الطابع التراثى والمعمارى المميز للمنطقة.

شملت تلك المرحلة تطوير ثلاثة شوارع رئيسية هى شارع الجوهرى وامتداده وشارع يوسف نجيب بإجمالى أطوال 321 مترًا، مع مراعاة ترك ممر رئيسى بعرض 4 أمتار لتيسير حركة سيارات الطوارئ والمشاة، كما تم تحسين واجهات 105 محلات تجارية، وترميم ورفع كفاءة 4 عقارات ذات طراز معمارى متميز، وتجديد 11 عقارًا مطلًا على السور وتوفير عدد 473 طاولة للباعة الجائلين ورصف الأرضيات بالإنترلوك، وتركيب مظلات مقاومة للحريق تسمح بالإضاءة الطبيعية، وتوفير إضاءة حديثة، وتصميم واجهات ولافتات المحلات بتشكيل جمالى موحد، وتركيب كاميرات مراقبة لأمن وسلامة السوق.

لتُعد سوق العتبة بعد تطويرها نموذجًا حضاريًا يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويعيد الحياة إلى أحد رموز القاهرة التجارية العريقة، ويجسد رؤية الدولة نحو مدن أكثر تنظيمًا وتحضرًا.

أما البعد الثانى الترفيهى العمرانى وهو حديقة الأزبكية فهى إحدى أعرق الحدائق بمحافظة القاهرة، وتعد المسطح الأخضر الوحيد بالقاهرة الخديوية، ويرجع اسمها لسيف الدين أزبك قائد جيوش قايتباى فى أواخر القرن الرابع عشر الميلادى وكانت قصرًا وحديقة وبركة كبيرة له، والتى تحولت فى عهد الخديو إسماعيل بعد ردم البركة إلى حديقة حديثة على طراز الحدائق الأوروبية وذلك عام 1872م، بمساحة 18 فدانًا وبنى بها مسرح الكوميدى الفرنسى، وتم تشجير الحديقة بالأشجار والنباتات النادرة وتزيينها وإنارتها. وكانت تقام بالحديقة العديد من الاحتفالات الرسمية والشعبية الكبرى للأجانب والمصريين.

ويعد حى الأزبكية من أشهر أحياء القاهرة، لا سيما أنه يحتوى على عدد من المبانى والمنشآت الهامة التى تعود إلى حقبة القاهرة الخديوية، ومن أبرزها ميدان العتبة، وحديقة ومسرح الأزبكية وعددًا كبيرًا من الفنادق الفاخرة فى ذلك الوقت منها شبرد والكونتيننتال «التى يعاد بناؤه حاليًا» ووندسور وإيدن بالاس، بالإضافة الى الأوبرا الخديوية «التى احترقت 1969 وحل محلها قبح معمارى فى صورة مبنى مواقف سيارات يتم تطويره وتجميله حاليًا بدلاُ من التخلص منه نهائيًا لأنه يمثل وصمة عار معمارية عمرانية شوهت المكان الذى كان رمزًا للموسيقى والفن المسرحى العالمى والجمال والأناقة والسمو الروحى والنفسى».

يأتى مشروع تطوير حديقة الأزبكية ضمن مشروعات إحياء القاهرة الخديوية، التى تشمل أيضا الفراغ الممهد للمسارح التاريخية، وسوق كتب الأزبكية الجديد، ونادى السلاح، وجراج الأوبرا «المبنى الذى أشرنا إليه سابقًا»، وعمارات القاهرة الخديوية «شارع قصر النيل»، وممرات مثلث البورصة، وجامع التوحيد.

يستهدف مشروع التطوير الحالى إعادة إحياء هذه الحديقة العريقة كمتنفس ومتنزه لسكان القاهرة، وتتضمن أعمال التطوير استعادة القيمة المعمارية والتراثية للمبانى ذات القيمة التاريخية بالحديقة، والحفاظ على الأشجار التراثية ذات القيمة التى يعود تاريخ بعضها إلى عام 1868.

 

 

وتجديد البحيرة والنافورة الأثرية والمسرح الرومانى المفتوح والبرجولات التراثية والكافيتريا والمطعم والأسوار، ومبنى نادى السلاح ومنطقة التبة التراثية، وإنشاء أسوار بكامل محيط الحديقة، وتنفيذ 4 بوابات على السور، مع مراعاة البعد التاريخى فى تصميم الأسوار والبوابات.

 

 

البعد الثالث فهو البعد الثقافى الذى تمثله السوق الجديدة للكتب بالأزبكية على مساحة إجمالية 805 أمتار مربعة والتى تحتوى على أكشاك موحدة متطورة تتسم بالطابع الحضارى وتحمل أسماء أدباء ومفكرين مصريين عظماء، تم تنفيذها على السور الخارجى للحديقة،

مع تحسين الخدمات بها، من خلال إنشاء الأكشاك ودورات المياه ومبنى إدارة المنطقة.

 

 

 

أما البعد الرابع فهو عمارة تيرينج الأثرية التى تقع على ناصية شارع الجوهرى بميدان العتبة تم بناؤها لمالكها الخواجة اليهودى النمساوى «تيرنج»، محاكيًا أشهر متاجر أوروبا وأكثرها فخامة فى ذلك الوقت. وتتكون من خمسة طوابق فى أعلاها كرة تحملها 4 تماثيل، تمثل تحفة معمارية ويقال إن هذه العمارة لا يوجد مثلها سوى ثلاثة فى العالم.

تم بناؤها على يد معمارى نمساوى وهو المهندس «أوسكار هورويتز» جاء إلى القاهرة فى الفترة 1913-1915م بنى خلالها المبنى التجارى «تيرينج »، وعاش فيها الكثير من اليهود، ولذلك يطلق عليها اسم عمارة اليهود، والتى تحولت بمرور الزمن من عمارة أثرية تجارية متميزة إلى مجموعة ورش لتصنيع الملابس، ومخازن للمحلات المنتشرة فى منطقة العتبة.

عادت العمارة حاليًا إلى كثير من جمالها السابق الأصلى باستعمال صور تاريخية وتحسين الواجهات وإصلاح التمثال أعلى العمارة وتنظيم العشوائيات التجارية فيها وحولها.

 

 

 

كل تلك المحاولات تعد بلا شك خطوة مقدرة فى سبيل تطوير وتحسين الصورة الوظيفية والبصرية للعمران المصرى فى مدينة شديدة الاكتظاظ ويزداد تعداد سكانها باستمرار بمعدلات كبيرة، وتحتاج لخطوات أكثر جرأة وأفكار خارج الصندوق لمعالجة مشاكلها أهمها دراسة ومراجعة كل المبانى الموجودة بمنطقة العتبة والأزبكية والقاهرة الخديوية والتى ليست لها ضرورة تاريخية أو جمالية أو معمارية أو إنشائية كى يتم استبدالها إما بفراغات مفتوحة خضراء متسعة كرئة لوسط المدينة أو بناء بدائل معمارية عند الحاجة الشديدة أكثر تحضرًا وتناسقًا مع السياق العمرانى المحيط وأكثر استيعابًا للمتطلبات العصرية المتطورة، ويتم ذلك بإجراء مسابقات معمارية عالمية شفافة ومتجردة تعيد المنطقة ومصر كلها لسابق عهدها من التحضر والتناسق والجمال.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق