أرني تيسيليوس.. العالم السويدي الذي نال نوبل للكيمياء بفضل اكتشافاته في علم البروتينات

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يعد العالم السويدي أرني تيسيليوس (Arne Tiselius) أحد أبرز العلماء في القرن العشرين الذين ساهموا في فهم البنية الحيوية للمادة الحية، حيث أسهمت أبحاثه الرائدة في الكيمياء الحيوية في كشف أسرار البروتينات وتفاعلاتها داخل الجسم البشري، وبفضل إسهاماته العلمية الكبيرة، حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1948 تقديرًا لأعماله في تطوير طرق تحليل البروتينات باستخدام تقنية التحليل الكهربي (Electrophoresis).

البدايات والتعليم

 

ولد أرني تيسيليوس في 10 أغسطس عام 1902 في مدينة ستوكهولم بالسويد، ونشأ في بيئة تهتم بالعلم والمعرفة، أظهر منذ صغره اهتمامًا كبيرًا بالعلوم الطبيعية والكيمياء على وجه الخصوص، التحق بجامعة أوبسالا، وهي من أعرق الجامعات السويدية، حيث تتلمذ على يد العالم الشهير ثيودور سفيدبرغ (Theodor Svedberg)، الحاصل على نوبل للكيمياء عام 1926 لاكتشافاته في مجال الغرويات، وقد كانت أبحاث أستاذه حول البروتينات مصدر إلهام أساسي لتيسيليوس في مسيرته العلمية.

 

إنجازاته العلمية

 

كرس تيسيليوس حياته لدراسة الخصائص الفيزيائية والكيميائية للبروتينات، وهي الجزيئات الحيوية المسؤولة عن معظم العمليات الحيوية في الكائنات الحية.

وكان من أوائل العلماء الذين حاولوا فصل أنواع البروتينات المختلفة في الدم بطريقة دقيقة، لفهم تركيبها ووظائفها، ومن هنا طور تيسيليوس جهازًا متطورًا لقياس حركة البروتينات تحت تأثير المجال الكهربي، وهي التقنية التي عرفت لاحقًا باسم التحليل الكهربي المتحرك (Moving Boundary Electrophoresis).

 

سمحت هذه التقنية للعلماء بفصل مكونات معقدة مثل مصل الدم إلى أجزاء منفصلة بناءً على شحنتها الكهربائية وسرعتها في الحركة داخل المجال الكهربي، وقد كان هذا الاختراع ثورة في علم الكيمياء الحيوية، لأنه مكن الباحثين من تحليل البروتينات والأجسام المضادة والإنزيمات بدقة غير مسبوقة، وهو ما فتح الباب أمام تطورات هائلة في الطب والتشخيص البيولوجي.

 

جائزة نوبل والتكريم العلمي

 

في عام 1948، منح أرني تيسيليوس جائزة نوبل في الكيمياء "عن أبحاثه حول تحليل البروتينات بوساطة التحليل الكهربي"، وهي الجائزة التي أكدت أهمية عمله في الربط بين الكيمياء والبيولوجيا.

وقد أشادت لجنة نوبل بقدرته على تطوير أدوات وتقنيات سمحت بفهم بنية ووظائف المواد الحيوية على المستوى الجزيئي، مما جعل عمله أساسًا للعديد من الاكتشافات اللاحقة في مجالات الوراثة، والطب الحيوي، والكيمياء التحليلية.

 

مسيرته الأكاديمية والإدارية

 

لم يقتصر دور تيسيليوس على البحث العلمي فحسب، بل تولى أيضًا مناصب أكاديمية مهمة، فقد شغل رئاسة جامعة أوبسالا، وكان عضوًا فاعلًا في الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، كما تولى رئاسة لجنة نوبل للكيمياء لفترة طويلة.

وقد كان يؤمن بأهمية التعاون العلمي بين التخصصات، وساهم في دعم الأبحاث متعددة المجالات، خصوصًا تلك التي تجمع بين الكيمياء والطب والفيزياء الحيوية.

 

يعتبر تيسيليوس من العلماء الذين وضعوا الأسس الأولى لعلم الكيمياء الحيوية الحديثة.

فقد أسهمت أجهزته وتقنياته في تطوير طرق أكثر دقة لفصل وتحليل المواد الحيوية، مثل الكروماتوجرافيا والتحليل الكهربائي الحديث، التي أصبحت اليوم أدوات أساسية في المختبرات الطبية حول العالم.

 

بفضل أبحاثه، تمكن العلماء من فهم طبيعة البروتينات والأجسام المناعية ودورها في الدفاع عن الجسم ضد الأمراض، كما ساعدت اكتشافاته في تطوير التحاليل الطبية التي تستخدم حتى اليوم للكشف عن اضطرابات الدم والكبد والمناعة.

 

وفاته وإرثه العلمي
 

توفي أرني تيسيليوس في 29 أكتوبر عام 1971، بعد مسيرة علمية حافلة بالإنجازات.

ولا يزال يذكر كأحد أعظم العلماء الذين جمعوا بين الذكاء التجريبي والرؤية المستقبلية، حيث وضع الأسس الأولى لعلم التحليل الحيوي الحديث.

 

لقد كان تيسيليوس نموذجًا للعالم الذي يربط بين النظرية والتطبيق، وبين المختبر والإنسان، ليصبح أحد رموز القرن العشرين الذين غيّروا وجه الكيمياء والطب إلى الأبد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق