في مشهد يختلط فيه عبق التاريخ بروعة الإبداع الإنساني، تكشف النقوش المحفورة على جدران المعابد والمقابر الفرعونية عن جانب مدهش من حياة المصري القديم، الذي لم يكن فقط رائدًا في الهندسة والطب والزراعة، بل أيضًا في عالم الأزياء، وصناعة مستحضرات التجميل والعطور، وتصفيف الشعر والحلي، ليؤسس بذلك أول مدرسة في عالم الموضة والجمال قبل أكثر من سبعة آلاف عام.
توضح تلك النقوش الدقيقة التي اكتشفت في مقابر وادي الملوك والمعابد القديمة، أن الفرعون والمصري القديم كانا يوليان اهتمامًا بالغًا بالمظهر الخارجي، سواء في الحياة اليومية أو الطقوس الدينية والاحتفالات، وأن التجميل والنظافة واللباس لم تكن مجرد ممارسات شكلية، بل تعبيرًا عن المكانة الاجتماعية والانتماء الطبقي.
الملابس والألوان.. دلالات طبقية ومهارة نسائية
تعد صناعة الملابس من أقدم الحرف التي مارسها المصري القديم، وقد برعت النساء في جمع الكتان واستخراج خيوطه وغزله باستخدام أدوات بسيطة، كان الكتان الأبيض رمز النقاء والأناقة لدى الرجال، بينما تطورت ملابس النساء لتصبح أكثر تنوعًا وجمالًا، من الفساتين البيضاء ذات الحمالتين إلى الشالات المطرزة بالخيوط الدقيقة.
أما الألوان فكانت تعكس الطبقة الاجتماعية بوضوح؛ فالخدم كانوا يرتدون ملابس ملونة ومشجرة، في حين ارتدت الطبقة العامة ملابس موحدة اللون، وغالبًا ما كانت باللون الأبيض أو البني الفاتح، أما طبقة الأغنياء والنبلاء فتميزت بملابس مطرزة بالخرز والجلود المزخرفة، ومع مرور العصور، ظهرت الأزياء الطويلة ذات الأكمام القصيرة والمزخرفة بالنقوش الزهرية المستوحاة من البيئة النيلية.
الأحذية.. من سيقان البردي إلى الكعب العالي
يشير عالم الآثار زاهي حواس في كتابه "100 حقيقة مثيرة في حياة الفراعنة" إلى أن أغلب المصريين القدماء كانوا يسيرون حفاة، فيما ارتدى الكهنة والملوك أحذية مصنوعة من سيقان البردي، ثم تطورت إلى الجلود في العصور اللاحقة، أما الطبقة الثرية فقد تميزت بأحذية ذات كعب مرتفع كانت ترتدى في الاحتفالات الرسمية، وربطت بجلود دقيقة تعكس مكانة صاحبها.
الفراعنة رواد صناعة مستحضرات التجميل
تميزت المرأة المصرية القديمة بمهارة فريدة في استخدام مساحيق التجميل، فكانت أول من عرف الكحل الأسود والحناء وأحمر الشفاه وطلاء الأظافر، لم يكن الهدف فقط إبراز الجمال، بل حماية البشرة من الشمس والحشرات، إذ استخدمت مزيجًا من العسل والنطرون لصنع أقنعة طبيعية تشبه ما يُعرف اليوم بـ"الماسكات".
وكانت أدوات التجميل تصنع من الخشب أو الزجاج أو الأحجار الكريمة حسب الطبقة الاجتماعية، وتحفظ داخل أوانٍ دقيقة التصميم، كما استخدم الرجال الكحل لحماية العين من التلوث، وهو ما يعكس وعيًا مبكرًا بالنظافة والصحة.
الشعر والباروكة.. رموز الجاذبية الملكية
لم تتوقف إبداعات المصريين القدماء عند حدود الملابس والتجميل، بل امتدت إلى تصفيف الشعر. فقد استخدموا الشعر المستعار "الباروكة" لتغيير المظهر في المناسبات، وكانت الملكات يضعن تيجانًا من الزهور أو اللوتس فوقه، عثر في مقابر الدولة الحديثة على أمشاط عاجية وخشبية ومرايا فضية ونحاسية تعكس مدى العناية بالتفاصيل ودقة التصميم.
الحلي والعطور.. رموز الثراء والخلود
وصف المؤرخ اليوناني "هيرودوت" المصريين القدماء بأنهم أكثر الشعوب حبًا للنظافة والزينة. وقد اشتهر الفراعنة بابتكار العطور والزيوت العطرية من النباتات والأزهار، وكانت الملكة كليوباترا من أكثر النساء إبداعًا في صناعة العطور التي لا تزال وصفاتها تلهم العالم حتى اليوم.
صنعت الحلي من الذهب والأحجار الكريمة، مثل العقود والأساور والخواتم التي زينت صدور الملوك والملكات، ومن أبرز القطع المكتشفة قلادة الملك توت عنخ آمون التي تغطي منطقة الصدر والمصنوعة من الذهب والأحجار النادرة، إضافة إلى حلي الملكة "كاويت" ووالدة الملك أحمس "أحم حتب" التي عثر عليها داخل مقابر طيبة.


















 
                
            
0 تعليق