في لقاء نادر سُئلت كوكب الشرق أم كلثوم عن سبب طول أغانيها الذي كان يثير تساؤلات الكثيرين، فأجابت بجملة تكشف فلسفتها الفنية ورؤيتها للطرب.
أم كلثوم تكشف سبب الإطالة في أغانيها
وقالت أم كلثوم في لقاء نادر لها رصده موقع تحيا مصر: «في الواقع الأغاني مش طويلة.. يعني إحنا بنعمل أغنية في أسطوانة بترديد كتير وبتاخد نص ساعة.. بنردد البيت الواحد مرات والكوبليه الواحد مرات، ومع هذا بتاخد نص ساعة بالترديد، ولكن في المسرح بنبقى خاضعين لطلبات الجمهور والإعادة، عشان كده بتاخد وقت».
بهذا الرد البسيط والذكي، لخصت أم كلثوم سر الأغنية الطويلة التي أصبحت علامة مميزة في مسيرتها، فهي لم تكن تطيل من أجل الاستعراض أو التفرد، بل لأن الغناء بالنسبة لها كان حوارًا حيًا بين الفنان وجمهوره، وتبادلًا للمشاعر أكثر منه أداءً موسيقيًا محددًا بزمن، كانت تدرك أن الجمهور في حفلاتها هو جزء من التجربة، وأن تفاعله الصادق هو ما يمنح الأغنية حياة جديدة في كل مرة.
بدايات أم كلثوم
منذ بداياتها في ثلاثينيات القرن الماضي، أدركت أم كلثوم أن سر الطرب العربي يكمن في الإحساس والارتجال والتفاعل، لا في اختصار الوقت أو الالتزام بالتسجيلات، لذلك تحولت حفلاتها الشهرية، التي كانت تُبث مساء أول خميس من كل شهر، إلى حدث فني واجتماعي ينتظره الملايين في مصر والعالم العربي، لم يكن أحد يستغرب أن تستمر الأغنية ساعة كاملة، بل كان الجمهور يتمنى لو تطول أكثر، مرددًا كلماتها ومطالبًا بإعادة المقاطع التي مست وجدانه.
الأغنية الطويلة عند أم كلثوم لم تكن مجرد لحن ممتد، بل تجربة شعورية متكاملة، فالمقدمات الموسيقية الطويلة كانت بمثابة باب يدخل منه المستمع إلى عالم الأغنية، والمقاطع المتكررة لم تكن تكرارًا مملًا، بل تصعيدًا تدريجيًا لحالة الطرب، كانت تغني وكأنها تُعيد رسم الإحساس في كل مرة، فيتحول الحفل إلى رحلة عاطفية يعيشها المستمع بكامل وجدانه.
الإطالة في أغاني أم كلثوم
وفي نظرها، الأغنية لا تُقاس بعدد دقائقها، بل بما تتركه من أثر، فحين يطلب الجمهور إعادة مقطعٍ أو بيتٍ من الشعر، كانت تعتبر ذلك لحظة تقديس للفن، ودليلًا على أن الناس لم تكتفِ بعد من الإحساس. لذلك، كانت أغانيها تختلف من حفلة إلى أخرى، رغم أنها الأغنية نفسها.
الطول في أعمالها لم يكن صدفة ولا نزعة تقليدية، بل جزء من هوية فنية صنعت بها مدرسة كاملة في الأداء، قائمة على التفاعل، الارتجال، والتجلي. كانت تدرك أن الطرب لا يُستعجل، وأن الجمهور لا يريد أغنية قصيرة تنتهي سريعًا، بل يريد أن يعيش فيها، ويتنفسها، ويتوه داخلها.
واليوم، وبعد عقود من رحيلها، ما زالت أغاني أم كلثوم الطويلة رمزًا لعصر كان الفن فيه طقسًا جماعيًا مقدسًا، تُقاس جودته بما يثيره من مشاعر لا بما يستهلكه من وقت، ولعلّ جوابها في ذلك اللقاء النادر يظل أصدق ما قيل: «الأغاني مش طويلة يا جماعة… الجمهور هو اللي بيخليها تطول، وأنا بغنيله زي ما هو عايز».















0 تعليق