رؤية مختلفة فى موضوع اللاجئين

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

السبت 25/أكتوبر/2025 - 11:53 م 10/25/2025 11:53:06 PM


إعلامى يحظى باحترام قطاعاتٍ كبيرة من المصريين، ويتم وضعه فى قائمة الإعلام المتزن الرصين فاجأنا على صفحته الشخصية ببوست عن اللاجئين فى مصر أقل ما توصف بها عباراته أنها تفتقد الكياسة وتستفز الشعور المصرى الجمعى. تفتقد كياسة اختيار التوقيت وتسقط فى فخ سوء اختيار بعض المفردات. كان يريد من خلال عباراته الإشادة بدور مصر، لكن – ومن خلال ردود متابعيه ومحبيه – أتت هذه العبارات  بعكس ما كان ينشده من أثر ومردود.  
(١)
يقول الإعلامى المرموق فى نص عباراته (هنا فى مصر اللاجئين مش عايشين فى مخيمات زى دولة ت...، لا دول ساكنين فى المدن الكبرى ومعظمهم فى القاهرة والإسكندرية والجيزة، يعنى جزء من نسيج الحياة اليومية..يعنى الضيف السو... أو الس.. ممكن يدخل مدرسة حكومى أو مستشفى حكومى بنفس المعاملة..عمره ما يركب أتوبيس نقل عام ويلاقى تعريفة خاصة بيه لأنه مش مصرى..عمره ما يجيله محصل كهرباء ويقوله هتدفع خمس أضعاف فاتورة جارك لأنك مش مصرى..فى مصر اللاجئين عايشين وسط الناس فاندماجهم أسهل.. لكن فى أوروبا بيتعرضوا لمعاملة قاسية أو طرد جماعى..بس أوروبا عندها إمكانات مالية أكبر..بتقدم إعانات شهرية رغم وجود تمييز واضح..زى معاملة الأوكرانيين أحسن من السوريين أو الافارقة..)
لقد فعلت مصر هذا بالفعل فى السنوات الماضية وتحمل المصريون الفاتورة كاملة، لكن الاستمرار فى هذا التحمل لا يوجد ما يبرره الآن فى ظل تحسن الأوضاع فى تلك الدول من ناحية. وفى ظل حالة الرفض الشعبى المصرى لهذا الاستمرار من ناحية أخرى، والرأى العام المصرى مقدرٌ تماما فى دوائر اتخاذ القرار المصرى كما قال ذلك بوضوح الرئيس السيسى.
لذلك فتوقيت ترديد هذا الحديث من قبل إعلاميين مصريين كبار يتعارض تماما مع الشعور المصرى الجمعى. ويتعارض مع الواقع على الأرض والذى تجسد بقوة فى ظاهرتين. الأولى وجود حالة رفض مصرى عبرت عن نفسها فى دعاوى مقاطعة لأنشطة اقتصادية لغير المصريين الذين استفادوا مما وصفه الإعلامى (معاملتهم مثل المصريين). والظاهرة الثانية التى لا يجب أن يتجاهلها الإعلام المصرى الوطنى أو تخطىء قرائتها الدولة المصرية وهى ظاهرة جحود كثير ممن وصفهم الإعلامى بالضيوف لما قدمه المصريون لهم فى السنوات السابقة. 
وعبرت حالة الجحود هذه عن نفسها فى عشرات المواقف التى وثقها المصريون. إن تحول الحالة المزاجية لغير المصريين من الاقتناع بأنهم فى حالة الاستضافة إلى الاقتناع بأن حالة الاستضافة تحولت لحالة استحقاق ومناطحة للمصريين فى مقدراتهم قد ألقت بظلالها بالفعل على مشاهد كثيرة. كان نتيجة تحول هذه الحالة المزاجية للضيوف أن قابلها حالة مصرية من الترحاب الكريم إلى شعور بالضيق والقلق والنفور، وضاعف من شعور المصريين الجمعى بوجوب استجابة دولتهم المصرية وقيامها بوقفة جادة لتصويب المشهد برمته. 
(٢)
إن عدم قيام مصر بإعاشة الضيوف فى مخيمات هو كرم مصرى لا يجب أن يتحول بمضى الوقت إلى حالة استمراء من قبل غير المصريين أو حالة استنطاع واستغفال. لا يجب السماح لأن يشعر المصريون بأنهم وقعوا فى فخ المصرى الشعبى (اللى يعمل ضهره قنطرة يستاهل ويستحمل الدوس!)
تقدم الدولة المصرية دعمها الاقتصادى لمواطنيها فى صورة تعليم حكومى، وتعريفة استهلاك كهرباء أو مواصلات، وهذا الدعم هو قطعا مقتطعٌ من ميزانية الدولة المصرية وهو حقٌ أصيل وحصرى للمصريين فقط لا يجب أن يزاحمهم فيه أحد. لأن ميزانية الدولة تأتى من موارد يساهم فيها المواطن المصرى بمقتطعاتٍ من مرتباته وأجوره لتحسين الخدمات لهذا المواطن. 
وموافقة المواطن على ما جرى فى السنوات الماضية كان حالة استثناء كريمة لا يتصور عاقلٌ أن تتحول لحالة دائمة، لأن المصريين أحق بمقدراتهم. ولأن المصريين دفعوا عبر السنوات الأربعة عشر الماضية ثمنا باهظا للحفاظ على هذا الوطن فى حين بخلت بعض شعوب المنطقة بدفع هذا الثمن من أجل أوطانهم. فليس من العدل أو الحق أن تتم مكافئة من فرط فى وطنه بأن يتحمل من حافظوا على وطنهم تكلفة تفريط المفرطين. لم يكن هذا الثمن مجرد أموال أو مصاعب اقتصادية، إنما تخطاه لما هو أثمن وهو الدم. 
حين يتعرض جارك لأزمة أو ينهار منزله تقوم باستضافته إلى حين. لكن ليس من المنطقى أن يعتقد هذا الجار أن من حقه مقاسمة أهل الدار كل شىء. عليه أن يسعى لإعادة بناء منزله وإعالة أهل بيته. هل يتخيل أحدٌ أن يتحول الجار إلى شخص يشعر باستحقاقه فى مزاحمة أهل الدار للأبد؟! وإن تململ صاحب الدار الكريم يتم ابتزازه أو محاولة إجبلره على الاستمرار فى العمل من أجل الآخرين!
(٣)
أخطر ما ورد فى حديث الإعلامى وصفه للاجئين بأنهم (جزء من نسيج الحياة اليومية)، وعبارة (فى مصر اللاجئين عايشين وسط الناس فاندماجهم أسهل) هذه عباراتٌ تكشف حالة افتقار لإدراك مدلولات الألفاظ وما يترتب عليها من تسهيل تمرير مصطلحات خطيرة شائكة قانونا. الإعلامى ليس شخصا عاديا، ويجب أن يزن عباراته بميزان الذهب. هذه الألفاظ هى مرادفاتٌ مهذبة مواربة لمصطلح التوطين سىء السمعة الذى يريد البعض من خلاله فرض غرس مكوناتٍ غير مصرية فى الجسد المصرى وما يترتب على ذلك من إمكانية العبث بتماسك وهوية الشخصية المصرية.
هذا معناه تحويل الحالة العارضة إلى حالة دائمة وتعويد المصريين على تقبل اللفظ وما يترتب عليه. هؤلاء (الضيوف) لا ولن يمثلوا جزءً من الجسد المصرى لا اليوم ولا غدا. وكلمة ضيف تعنى ضرورة المغادرة فى وقتٍ ما، ولا تعنى أن يستولى الضيف على جزء من بيت من استضافه! 
طول إقامة الضيوف على أرض مصر لا يعنى أن هويتهم قد تغيرت، أو أنهم أصبحوا جزءً من نسيج مصر، ولا يعنى إدماجهم أو توطينهم على أرض مصر. ولو اعتقد أى شخص مصرى ذلك أو اعتقد أنهم سوف يتحولون إلى مصريين، أو أن مصر ستمثل لهم وطنا بديلا فى يوم ما فهو شخصٌ ساذج ويمثل – إن كان من موجهى الرأى العام أو متخذى القرار – أحد خيول طروادة عمدا منه أو جهلا بما يخوض فيه. وهنا فأنا أتحدث بصفة عامة ولا أقصد هذا الإعلامى تحديدا. لكن إن كان هذا ما استقر فى وجدانه أو قصده فهو مثل من أقصدهم، ولا مجال لحياءٍ أو مجاملة فى تلك القضية. فومضة تدبرٍ واحدة لما حدث فى المنطقة فى السنوات الأخيرة السابقة تدهس هذا الوهم دهسا. لو لم يكن فى قلب أو روح أى شخصٍ خيرٌ أو وفاءٌ وقبولٌ للتضحية من أجل وطنه، فمن السذاجة والسماجة أن نتوقع عكس ذلك من نفس الشخص تجاه وطنٍ آخر! 
(٤)
آخر عبارات الإعلامى أتت أشبه بالمونولج. يرد على نفسه بنفسه. يتحدث عن قيام دول أوروبية بطرد اللاجئين رغم تمتعها بإمكانات مالية أكبر. إذا كان الامر كذلك فلماذا يتوقع أو يطلب هو أو غيره من مصر ألا تقوم بما قامت به أوروبا الغنية؟! هل دخل المواطن المصرى يحتمل ما لا يحتمله دخل أى مواطن أوروبى؟ وهل معاناة المصريين الاقتصادية أقل من معاناة مواطنى أوروبا. فى الواقع ما تقوم به تلك الدول الاوروبية هو عادلٌ تماما. من حق مواطنى أى دولة أن يتمتعوا بمقدرات بلادهم دون أن يناطحهم كسالى أو متنطعون أو غير منتمين لبلادهم أو مضيعو أوطانهم. مواطنو أوروبا يسافرون ويقضون إجازاتهم خارج بلادهم، فى حين يعانى المصريون فى توفير احتياجاتهم الضرورية ويتحملون فى صبر الأزمة تلو الأزمة فقط من أجل بلادهم ومن أجل بناء مستقبل لأبنائهم داخل هذه البلاد لا من أجل أن يستغلهم ويستغل مقدراتهم منتهزون. استمراء حالة أو صفة اللاجئين من قبل مجموعات انتهازية ومحاولتهم تحويل تلك الحالة إلى ما يقرب إلى حالة التسول الدائمة يجب أن تُقابل بصرامة من كل الدول التى يستهدفها هؤلاء، ومصر ينبغى أن تكون فى ذلك شأنها شأن باقى تلك الدول. فهذه الإجراءات هى الآن حق المصريين الصابرين على دولتهم أكثر من أى وقتٍ مضى. 
(٥)
لقد صدمنى هذا الحديث من هذا الإعلامى تحديدا لما يتمتع به من رصانة وتوقعى الشخصى أن يكون على مستوى أعلى من هذا من الإدراك المعلوماتى والتاريخى والواقعى ومن قراءة المشهد المصرى الشعبى قراءة صائبة منصفة. 
لقد أحالنى هذا المشهد إلى سؤال أوسع هو ما صغتُ به عنوان مقالى.. كيف يصوغ إعلامى مصرى كبير رؤاه وأفكاره وقناعاته التى يوجهها للجمهور المصرى؟ أو ما هى مؤهلات الإعلامى المصرى؟ ولا أقصد هنا المؤهلات الأكاديمية المجردة، إنما المؤهلات المعرفية العامة. 
لا توجد إجابة قاطعة لدى، إنما أعتقد أن الأمر فردى خالص حسب اجتهاد كل إعلامى وحسب ما حصله طوال سنوات عمره من معلومات ومعارف وما قام به من تثقيف نفسه. المشكلة أن كثيرا من الإعلاميين قد تحولوا شعبيا من محاورين إلى مفكرين وموجهين للرأى العام. بعض المصريين أصبحوا ينظرون لأى إعلامى على أنه مفكرٌ وليس محاور للمفكر أو المسؤل. مع هذه النظرة أصبح الإعلامى يدلى برأيه فى شتى الموضوعات لا كمواطن لكن بصفته الجديدة التى اكتسبها فى السنوات الأخيرة.  وأعتقد سبب هذا هو قيام بعض المثقفين فى مرحلة ما بدور الإعلامى فاختلط الأمر بين الصفتين. هؤلاء المثقفون الذين قرروا تقمص دور الإعلاميين أربكوا المشهد ورفعوا سقف توقعات المصريين المنتظرة من جميع الإعلاميين. 
أول نقاط الضعف الملحوظة عند بعض الإعلاميين هى سوء الإعداد المعلوماتى ذى الصفة التاريخية وتحديدا الخاص بتاريخ مصر. ضعف الإلمام بهذا التاريخ يقود بعضهم إلى ما قاد إليه هذا الإعلامى الكبير. لأنه لو تمتع بالثراء المعرفى الواجب  والمفصل بتاريخ مصر لأدرك بديهيات لم يكن ليدلى معها بما أدلى به، ولم يكن لينظر لهذه القضية تلك النظرة السطحية. 
تاريخ مصر بمثابة المصفى الصادقة التى تقوم بتنقية الرؤى والمواقف من الشوائب. من أحاط بتاريخ مصر يدرك مدى امتزاج هذا التاريخ بهذه القضية المعاصرة، ويدرك خطورة ما يمكن أن يتعرض له النسيج المصرى الوطنى جراء الاستسلام لأفكار مثل الدمج والتوطين. والخطورة هنا تتجاوز الجانب الاقتصادى. فتاريخ بعض الجنسيات التى ذكرها، ومواقفها مع مصر قديما وحديثا يؤكد فساد أى افكار دمج أو توطين ويدق جرس إنذار لصانعى القرار.
(٦)
ضعف هذا الجانب المعلوماتى التاريخى لدى بعض الإعلاميين قادهم أيضا إلى الافتتان بمشهد السابع من أكتوبر وما تلاه من مشاهد. سقطوا فى فتنة عدم التفريق بين مفردات واضحة مثل المقاومة الوطنية المشروعة، وبين التهور والجنون أو الخيانة. كما قادهم للسقوط فى خطأ وطنى ساذج مفاده (عفا الله عما سلف) فيما يخص ما تعرضت له مصر من قِبل بعض قادة مشهد السابع من أكتوبر كرامة للقضية غير المصرية!
استفاقة هذا البعض لحقائق المشهد جاءت متأخرة جدا وبعد الخراب وبعد أن أصبحت هذه الاستفاقة خارج السياق وغير ذات فائدة لا لمصر ولا للقضية ذاتها!
عدم التفريق بين تلك المشاهد، أو عدم التفريق بين ما تقوم به الدولة مؤسسيا لمحاولة إدراك ما يمكن إدراكه، وبين رؤى إعلاميين يجب ان تنير الطريق للشعب، كل ذلك يفقد هؤلاء مشروعية لقب إعلامى أو حتى لقب المثقف. 
تزامنَ الضعفُ المعلوماتى التاريخى مع الخواء الفكرى تجاه قضايا وأفكار تمثل حجر الزاوية فيما تتعرض له دول الشرق الأوسط. هذا الخواء الفكرى قاد بعضهم إلى تبنى مواقف ثبت خطأها مثل دفاعهم عما أسموه محور المقاومة. الإصطفاف فى الجانب الخطأ فى لحظات مفصلية هو الوصف الدقيق لمواقف بعضهم. وحتى أكون منصفا، فلم يكن بعض الإعلاميين فقط من سقطوا فى هذه الفخاخ، إنما صاحبتهم فى ذلك شخصيات نخبوية دينية وفنية.
(٧)
من أهم ما يجب أن يحيط به الإعلامى من مفردات أو علوم هو احترافية قراءة المشهد على الأرض. أى وجوب ألا ينفصل الإعلامى عن واقع مجتمعه وأن يجيد قراءة الشعور الوطنى لمواطنيه.
الإعلام هو أحد المفردات الهامة جدا للدولة فى قياس أو قراءة الرأى العام. هو بمثابة الكشاف الذى ينير الطريق لصناع القرار. للدولة قطعا أدواتها الأخرى، لكن يظل الإعلام هو المرآة الأصدق والأقرب للواقع. لذلك ينبغى للإعلامى أن يجيد القيام بهذا الدور، وأن يكون هو صوت الشعب فى القضايا الكبرى وفيما لا يتعارض مع هوية الدولة. فهل يقوم الإعلاميون فى مصر بجهود فردية أو عبر فعاليات مؤسسية بدراسة علمية أو اجتياز دورات تثقيفية لتعلم مهارات استقراء الواقع المجتمعى؟ القراءة الخطأ من شأنها أن تمثل ضغطا على الدولة فى اتخاذ قرارها، بينما العكس هو المطلوب. تستمد أى دولة قوتها فى اتخاذ قراراتها الحساسة من الرأى العام لمواطنيها. هذه أهم مفردات وأدوات الديمقراطية ومخاطبة الدولة للمجامع الدولى حين تهم باتخاذ قرارات جريئة. وحين يتبنى أو يردد بعض الإعلاميين المصريين الآن هذه العبارات السابقة، فهذا من شأنه أن يُضعف موقف الدولة المصرية حين تهم باتخاذ إجراءات تستجيب للرأى العام الجماهيرى. المطلوب الآن أن يقوم الإعلام الوطنى بمساندة الدولة المصرية وتقويتها فى مواجهة أى ضغوط خارجية فى هذا الملف. أنا أطالب إعلاميى مصر وأهيب بهم أن يكونوا لسانا صادقا للمصريين لا أن يمثلوا – بحسن نية فى غير موضعها – أحد خيول طروادة لإنفاذ مكونات داخل الجسد المصرى تمثل خطرا حقيقيا على هذا الجسد واقتصاده وهويته! 
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق