بعد التوصل إلى اتفاق إنهاء الحرب فى غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، برعاية مصرية أمريكية، إلى جانب كل من قطر وتركيا، أصبح مصير الميليشيات المسلحة التى تناهض «حماس» وقاتلت إلى جانب جيش الاحتلال الإسرائيلى غامضًا.
تلك الحالة من الجدل حول مصير هذه الميليشيات المسلحة تأتى بالتزامن مع تقديرات حديثة لجيش الاحتلال الإسرائيلى، تؤكد «فشل الاستراتيجية التى اعتمدتها إسرائيل لدعم الميليشيات المسلحة فى غزة»، وفقًا لما نقلته صحيفة «هآرتس» العبرية.
فى السطور التالية، تكشف «الدستور» عن سيناريوهات تعامل كل من تل أبيب و«حماس» مع هذه الميليشيات المسلحة، وإذا ما كانت «حماس» تسعى للقضاء على هذه الجماعات من عدمه لإعادة السيطرة على غزة.
الاحتلال لـ«أبوشباب وأخواتها»: «لن نضحى بجندى لحمايتكم»
بعد انهيار الهدنة الإنسانية فى مارس الماضى، وعودة الحرب من جديد، ظهرت ميليشيات مسلحة تقودها عناصر من غزة، وتعمل فى مناطق يسيطر عليها جيش الاحتلال داخل القطاع، قبل أن توجه نيرانها نحو مقاتلى «حماس».
كان الحديث آنذاك يدور حول ٣ ميليشيات محلية، الأولى موجودة فى شرق مدينة رفح، ويقودها ياسر أبوشباب، والثانية فى شرق خان يونس، بقيادة حسام الأسطل، والثالثة فى شرق مدينة غزة، وزعيمها رامى حلس.
وأقامت هذه الميليشيات الثلاث «مناطق إنسانية»، فى مواقع دمرها جيش الاحتلال الإسرائيلى، ودعت العائلات الغزاوية إلى دخولها، بعد إخضاعها لفحص أمنى، ومن المثير أن عددًا من سكان غزة استجابوا لهذه الدعوات، وإن ظلت أعدادهم قليلة.
وحسب تقارير عبرية، تعمل الميليشيات الثلاث بالتنسيق بين بعضها البعض، مع وجود خط اتصال دائم مع قائد ما تسمى «القوات الشعبية»، وهى الميليشيات التى يديرها ياسر أبوشباب، وتسعى إلى إنهاء حكم «حماس»، والسيطرة على الحكم فى غزة، بالتعاون مع إسرائيل.
وفى يونيو الماضى، أقر رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، بأن حكومته المتطرفة تقف خلف إنشاء تلك الميليشيات فى غزة، قائلًا: «نعمل على تسليح عشائر فلسطينية معارضة لـ(حماس) فى غزة، ونسعى إلى تقسيم القطاع لمناطق قبلية؛ بما يفضى فى النهاية إلى إيجاد بديل محلى للحركة».
وبعد إعلان وقف إطلاق النار، خلال الشهر الجارى، بدأت الأجهزة الأمنية التابعة لحركة «حماس»، بما فى ذلك «قوة رادع»، فور بدء انسحاب القوات الإسرائيلية، حملة أمنية واسعة، شملت ملاحقة وتصفية من تشتبه بتعاونهم مع إسرائيل، أو انتمائهم إلى أى من هذه الميليشيات.
وانتشرت مقاطع فيديو مؤخرًا، تُظهر عمليات إعدام ميدانية، نفذتها عناصر من «كتائب القسام» بحق أشخاص اتهمتهم بالخيانة والعمالة وسط مدينة غزة.
فى المقابل، أصدرت السلطة الفلسطينية إدانة حادة غير معتادة لحركة «حماس»، أدانت فيها ما أسمته «الإعدامات الميدانية»، التى نُفذت فى قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة، مطالبة بمحاسبة مرتكبيها بموجب القانون الفلسطينى، قبل أن تصفها بأنها «جرائم شنيعة مرفوضة رفضًا باتًا تحت أى ذريعة».
ورأى موقع «حدشوت يسرائيل» العبرى، فى تقرير، أنه بعد انتهاء الحرب، ستتمكن «حماس» من العمل بحرية فى غزة، مضيفًا بسخرية: «حظًا موفقًا لياسر أبوشباب وللمنظمات الأخرى التى تعاونت مع إسرائيل».
ورغم حملات «حماس»، لا تزال هناك ميليشيات مسلحة، فى مناطق لا يزال يسيطر عليها الجيش الإسرائيلى. لكن، من المؤكد، أنه مع مضى الاتفاق قدمًا، ستنسحب القوات من تلك المناطق، لتكون هذه التشكيلات مُطالَبة بالتفكير فى مصيرها، وفق تقارير عبرية. لعل هذا ما دفع عناصر «ميليشيا أبوشباب» إلى بدء التواصل مع عدد من العائلات ووجهاء العشائر، لفتح قنوات اتصال غير مباشرة مع وزارة الداخلية فى غزة، من أجل تسوية أوضاعهم القانونية والعشائرية، وضمان عدم ملاحقتهم ميدانيًا فى المرحلة المقبلة. وكما يبدو، إسرائيل لن توفر لهذه التنظيمات المسلحة الحماية الكاملة، وفق المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلى، آفى بنياهو، الذى قال: «الميليشيات المتعاونة فى غزة لن تدخل إلى إسرائيل، وعليها مواجهة مصيرها وحدها، قواتنا لم تجبر أحدًا على قتال (حماس)، عليهم تحمل عواقب قراراتهم».
ويعول «أبوشباب» وباقى الميليشيات المسلحة الآن على الجيش الإسرائيلى، بأن تشمل خطط الإجلاء نقلهم إلى مناطق آمنة. وحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية «كان»، تدرس تل أبيب نقل هذه العناصر إلى «معسكرات مغلقة داخل منطقة غلاف غزة» كإجراء موقت لحمايتها وضمان السيطرة الأمنية عليها. لكن جيش الاحتلال رفض مقترح إنشاء «منطقة أمنية» لهذه الميليشيات المسلحة. وقال قائد المنطقة الجنوبية بجيش الاحتلال، الجنرال يارون فينكلمان: «الخطر الذى قد تشكله هذه العناصر على المستوطنين الإسرائيليين يفوق أى التزام بحمايتها».
وأضاف «فينكلمان»: «الاستخبارات العسكرية رصدت مؤشرات لفرار عدد من عناصر الميليشيات، بعد حصولها على وعود بالعفو من (حماس). كما أن بعضهم بدأوا اللجوء إلى وساطات غير مباشرة مع الحركة الفلسطينية بهدف تأمين عفو عنهم». وأتم المسئول العسكرى الإسرائيلى بقوله: «لن تحملهم العربات العسكرية الإسرائيلية، أفراد هذه الجماعات ليسوا سوى متعاونين يؤدون دورًا وظيفيًا، ولن يضحى الجيش بجندى واحد من أجل حمايتهم».
تقارير إعلامية عبرية: نهاية المتعاونين تعنى إعادة سيطرة «حماس»
من ناحية «حماس»، ترى تقارير إعلامية عبرية أنها تستهدف استعادة السيطرة على قطاع غزة، وهو طريق يجب أن يمر أولًا بإقصاء «العشائر» و«العائلات» التى عارضت حكمها خلال الحرب، وهو ما ظهر فى الاغتيالات التى نفذتها بحق أفراد عائلة «دغمش» الكبيرة والمؤثرة فى غزة، إلى جانب «المجايدة» فى خان يونس. وتعتقد هذه التقارير أنه رغم صعوبة معرفة مدى قدرة «حماس» على استعادة السيطرة على ٥٠٪ من قطاع غزة لا يخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلى، يبدو أنها تعود إلى مدن ومناطق غزة الحضرية، مضيفة: «يبدو أن حماس تسعى إلى إثبات قدرتها فى السيطرة على الأرض، ما يعقد المشهد المتعلق بخطط (اليوم التالى)، التى تسعى الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولى لتطبيقها، وتفترض وجود بديل قادر على إدارة القطاع أمنيًا ومدنيًا».
وتؤكد التقارير العبرية أن إسرائيل «تستعد لكل السيناريوهات»: إذا حاولت «حماس» إعادة بسط نفوذها على قطاع غزة، أو إعادة بناء قوتها العسكرية، وإفشال نشر «القوة متعددة الجنسيات» فى غزة، ستحصل تل أبيب على «ضوء أخضر من واشنطن لاستئناف الحرب». لكن من المرجح، حتى الآن، أن يضغط الأمريكيون على «نتنياهو» لـ«ضبط النفس»، خاصة إذا ما «نجحت واشنطن فى إقناع الدول العربية والإسلامية بإرسال رجالها إلى المنطقة».
وتضيف: «واجهت (حماس) حربًا مع إسرائيل استمرت عامين، ولم يكن بإمكان عناصرها التحرك بحرية أمام الكاميرات حاملين السلاح. ومع ذلك، فى كل مرة كان هناك وقف لإطلاق النار، كانت (حماس) تعود للظهور بزيها العسكرى وبنادقها، فى مشهد استعراضى، وهذه المرة ظهورها مرتبط بحملات أمنية ضد الميليشيات المتعاونة مع إسرائيل». وأتمت بأن «حماس» ربما فقدت معظم ترسانتها الصاروخية، بل وحتى العديد من أنفاقها. لكنها لم تفقد أسلحتها الصغيرة، مثل بنادق «AK-47»، والتى من خلالها وصلت إلى السلطة، ففى عام ٢٠٠٧، لم يكن لديها الكثير من الصواريخ، وهو ما يعنى أن إسرائيل ستفكر فى «تقليم أظافرها» مرة أخرى.














0 تعليق