أكد الدكتور محمد رضا الخبير الاقتصادي، أنه في خطوة جديدة تعزز من عمق الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، تستعد القاهرة لتوقيع الشريحة الثانية من حزمة الدعم الأوروبي بقيمة 4 مليارات يورو خلال القمة المشتركة بين الجانبين في بروكسل يوم الأربعاء 21 أكتوبر 2025، ضمن برنامج تمويلي شامل بقيمة 7.4 مليار يورو يهدف إلى دعم الاقتصاد المصري في ظل التحولات العالمية والتحديات الداخلية والخارجية وتأتي كترجمة فعلية لشراكة استراتيجية تتجاوز الإطار التمويلي لتلامس جوهر التحول الاقتصادي.
وقال د. محمد رضا فى تصريحات خاصة لـ"الدستور" إن مصر تسعى لتحقيق الشراكة الاستراتيجية والتي تتيح فرصا لمصر ليس فقط لتعزيز اقتصادها بل لترسيخ مكانتها كشريك موثوق في الإقليم، قادر على أن يتحول إلى مركز للإنتاج الأخضر، والنمو الذكي، وركيزة الاستقرار السياسي في جنوب المتوسط، وتمثل شراكة حقيقية تتطلب التزامًا متبادلًا، هذه الحزمة الأوروبية تمثل ثقة متبادلة واستثمارًا طويل الأجل في مصر، لكنها في الوقت ذاته تُحمّل الحكومة مسؤولية الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات، وضمان الشفافية، وتسريع وتيرة المشروعات، بما يحقق نتائج ملموسة للاقتصاد المصري وأن تصل آثار هذه المشروعات إلى المواطن في صورة خدمات محسّنة، وتنامي القدرة الشرائية ووظائف جديدة، وبيئة أكثر استدامة وعدالة.
محمد رضا الحزمة الأوروبية تصويت بالثقة في الاقتصاد المصري واستثمار طويل الأجل في الاستقرار والنمو
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن هذه الحزمة الأوروبية ليست مجرد أموال تضخ في شرايين الاقتصاد المصري، بل إنه تصويت بالثقة في مستقبل الاقتصاد المصري، واستثمار في استقراره ونموه واندماجه في النظام الاقتصادي العالمي وتكشف طبيعة المشروعات الممولة عن رؤية طويلة المدى في التعاون بين الجانبين والتي تعني استثمارات طويلة الأجل، تقنيات متقدمة، ونقل خبرات أوروبية إلى السوق المصري.
وأوضح أن الاتحاد الأوروبي سيركز على قطاعات تحمل فرص نمو عالية وتخدم أهدافًا استراتيجية عالمية، مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، حيث تمتلك مصر موقعًا جغرافيًا وإمكانات طبيعية تجعلها مركزًا إقليميًا واعدًا في هذا المجال. وكذلك التحول الرقمي لتعزيز الكفاءة المؤسسية وتسهيل تقديم الخدمات الحكومية والمالية والإصلاحات الاجتماعية بما في ذلك الحماية الاجتماعية وتطوير التعليم والرعاية الصحية وإدارة الهجرة والتنمية المحلية بما يساعد في الحد من الهجرة غير الشرعية عبر حلول تنموية شاملة
وصرح الخبير الاقتصادي بأن الحزمة التمويلية الأوروبية تشمل مكونات استراتيجية تضمن التحول إلى الطاقة النظيفة، ودعم الإصلاحات الاجتماعية، وتعزيز الاقتصاد الأخضر، وتطوير القدرات الرقمية والإدارية، ومن بين هذه الحزمة 600 مليون يورو كمنح لدعم أولويات مثل الاستدامة والاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، وهي رسالة واضحة على أن الاتحاد الأوروبي لا يدعم مصر فقط اقتصاديًا، بل يراها شريكًا في التحول البيئي العالمي.
وأردف: يضاف 1.8 مليار يورو يتم توجيهها عبر مؤسسات التمويل الأوروبية لدعم مشروعات تنموية كبرى، وكذلك 75 مليون يورو لدعم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية و100 مليون يورو لبناء القدرات وتعزيز التنمية المستدامة، إضافة إلى ذلك، التمويل الموجه للتحول الرقمي، وتحديدًا لمنظومة التوقيع الإلكتروني في المؤسسات الحكومية المصرية، هو خطوة نوعية في طريق الإصلاح الإداري وتحديث بيئة الأعمال في مصر، الأمر الذي من شأنه جذب مزيد من الاستثمارات، خاصة في قطاع التكنولوجيا، كما أن تخصيص 200 مليون يورو لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتعزيز قدرات الدولة في أدارة هذا الملف المعقد يعكس جانبًا من التفاهم السياسي، لكنه أيضًا استثمار في تنمية المجتمعات الحدودية والمهمشة، ما يُترجم لاحقًا إلى استقرار اجتماعي واقتصادي داخلي.
ولفت إلى أن توقيع الشريحة الثانية يتزامن مع إشادة صندوق النقد الدولي بالتقدم الذي أحرزته مصر في برنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث أشار إلى تراجع معدلات التضخم إلى مستويات متوقعة تبلغ 11.8% خلال العام المقبل. وتحسن النمو الاقتصادي ليصل إلى 4.3% في العام المالي 2024/2025، ومن ثم إلى 5.6% بحلول عام 2026. وانخفاض تدريجي في الدين العام وتحسن في المؤشرات الكلية، وذلك يؤكد إلى أن الدعم الأوروبي لا يأتي كإجراء إنقاذي طارئ، بل كتعزيز لمسار الإصلاح الاقتصادي والذي بدأ يؤتي ثماره ليضيف مزيدًا من المصداقية لمسيرة الإصلاح ويزيد من جاذبية مصر كمركز إقليمي للاستثمار.
واستكمل: الحزمة الأوروبية تعمل على تعزيز أستقرار الاقتصاد المصري، حيث تساهم في تعزيز الاستقرار المالي وتقليل حجم الفجوة التمويلية وبالتالي يقلل من الحاجة إلى الاقتراض قصير الأجل من خلال توفير تمويل بالنقد الأجنبي بأحجام كبيرة من جهة موثوقة كالاتحاد الأوروبي يساهم في سد فجوة التمويل، ويقلل الضغط على الاحتياطي النقدي ما يعزز الثقة في الاقتصاد المصري أمام المستثمرين الأجانب .
واستطرد محمد رضا قائلا إن تحفيز الاستثمار عن طريق تسريع وتيرة المشروعات التنموية من خلال تمويل مشروعات الطاقة والبنية التحتية، ويعكس التنفيذ السريع قدرة مصر على تحويل الاتفاقيات إلى مشروعات فعلية الأمر الذي ينعكس على خلق فرص العمل وتحسين الخدمات الأساسية ويعزز معدلات النمو؛ بالإضافة لخفض الضغوط التضخمية بفضل دعم العملة المحلية من خلال تدفق النقد الأجنبي يعزز من قيمة الجنية المصري والتي تساعد على تخفيض كلفة الاستيراد.
وأوضح أن الحزمة الأوروبية تساهم في خفض معدلات التضخم، وتبقى الضغوط الناتجة عن رفع الدعم مؤخرًا هي المؤثر الحقيقي على نجاح هذه المعادلة؛ ويضاف على ذلك نقل التكنولوجيا والخبرات الأوروبية إلى السوق المصري، خاصة في القطاعات البيئية والرقمية. وتمكين الدولة المصرية إداريًا ورقميًا من خلال تحديث البنية التكنولوجية وتبني أدوات التوقيع الرقمي، ما يسهم في تسريع الإجراءات وتحسين مناخ الأعمال.
واختتم محمد رضا تصريحه قائلًا إن الحزمة الأوروبية ليست نهاية الطريق، بل هي بداية لمرحلة يمكن لمصر أن تبني فيها نموذجًا تنمويًا مستدامًا، مدعومًا بتحالفات استراتيجية، ورؤية اقتصادية تتجاوز الأزمات إلى بناء المستقبل.
0 تعليق