في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية وتزايد احتياجات التمويل، تمضي مصر بخطى ثابتة نحو تعظيم دور القطاع الخاص كشريك رئيسي في التنمية، بتبني نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) كأحد أهم الأدوات الحديثة لتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير البنية التحتية وتحسين الخدمات العامة دون تحميل الموازنة العامة أعباء استثمارية مباشرة.
وتوضح “الدستور” في هذا التقرير كيف استطاعت مصر تحقيق المعادلة الصعبة من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص كركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة دون إضافة أعباء جديدة على الموازنة العامة للدولة.
رؤية مالية متوازنة تعزز الكفاءة والاستدامة
تشير بيانات الموازنة العامة للدولة لعام 2025/2026 إلى أن الحكومة اعتمدت نهجًا متكاملًا يجمع بين الكفاءة التشغيلية والانضباط المالي، من خلال التوسع في مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص، ضمن رؤية تستهدف رفع معدلات النمو، وتحفيز الاستثمار، وتخفيف الضغط عن المالية العامة.
ويؤكد هذا التوجه قدرة الدولة على المواءمة بين متطلبات التنمية ومخاطر التمويل، عبر إدارة رشيدة للموارد والمشروعات الاستراتيجية، بما يحقق عائدًا اقتصاديًا طويل الأمد.
نجاحات ملموسة ومشروعات تمتد إلى قطاعات حيوية
أسهمت الشراكات القائمة في تحريك عجلة الاستثمار في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة والكهرباء والتعليم والبنية التحتية، حيث يجري تنفيذ نحو 80 مشروعًا بنظام الشراكة، بينما يجري إعداد عدد من المشروعات الجديدة بالتعاون مع مؤسسات تمويل دولية مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD).
وتعكس هذه المشروعات قدرة الدولة على إدارة التعاون مع القطاع الخاص بطريقة منظمة وشفافة، تضمن مشاركة فعالة لرأس المال المحلي والأجنبي في التنمية، مع الحفاظ على التوازن بين العائد الاقتصادي والمصلحة العامة.
حوكمة صارمة وإدارة دقيقة للمخاطر
تولي الحكومة اهتمامًا كبيرًا بإدارة المخاطر المالية المرتبطة بهذه الشراكات، حيث تعمل وزارة المالية على إحكام صياغة العقود وتحديد سقف واضح للالتزامات المحتملة، مع إجراء تقييم فني ومالي مسبق لكل مشروع لضمان حماية المالية العامة، وذلك وفقا لما أوضحته بيانات الموازنة العامة للدولة عن العام الجاري.
وفي السياق ذاته تم تشكيل لجنة فنية مشتركة تضم خبراء مختصين لضمان جودة المشروعات وتوافر الدراسات اللازمة قبل التنفيذ، في إطار تعزيز مبادئ الشفافية والحوكمة المالية.
منظومة رقابية وضبط مالي يعزز الثقة
رغم تنامي حجم الشراكات، تؤكد البيانات الرسمية الواردة في موازنة الدولة؛ أن المخاطر المالية على الخزانة العامة تظل محدودة، بفضل الإطار الرقابي والتنظيمي الذي يضبط العقود ويوزع المسؤوليات والمخاطر بشكل متوازن.
وأكدت البيانات أيضا أن الدولة تعمل على تطوير آليات متابعة مستمرة لتقييم أداء هذه المشروعات، بما يضمن تحقيق الأهداف التنموية دون انحراف عن المسار المالي المستدام.
نموذج مصري ناجح لجذب الاستثمار
وفقا لما أوضحته الموازنة فإن تجربة مصر في تطبيق نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص تمثل نموذجًا ناجحًا في المنطقة، حيث استطاعت الدولة تحقيق معادلة صعبة تجمع بين الاستثمار في البنية التحتية والاستدامة المالية.
ويعكس هذا النهج نضج السياسة الاقتصادية المصرية، وقدرتها على تحويل التحديات التمويلية إلى فرص للنمو وجذب الاستثمارات، مع الحفاظ على انضباط الموازنة واستقرار الاقتصاد الكلي.
0 تعليق