في خطوة رمزية تحمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية عميقة، قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي، الإثنين، إهداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب قلادة النيل، أرفع وسام في مصر، تقديرًا لما وصفته الرئاسة المصرية بـ"إسهاماته البارزة في دعم جهود السلام ووقف الحرب في غزة".
وبذلك يصبح ترامب خامس رئيس أميركي يتقلد هذا الوسام في تاريخ العلاقات بين القاهرة وواشنطن، في حدث يعيد إلى الواجهة أهمية هذه القلادة ومغزاها السياسي في اللحظات المفصلية من تاريخ المنطقة.
رمزية التوقيت والمكان
اختيار مدينة شرم الشيخ، المعروفة بلقب "مدينة السلام"، لتقليد ترامب الوسام، لم يكن محض صدفة.
فالرئيس الأميركي وصل إلى المدينة للمشاركة في قمة السلام التي تستضيفها مصر، بمشاركة عدد من قادة العالم، لبحث سبل إنهاء الحرب في قطاع غزة.
ويرى مراقبون أن منح القلادة في هذا التوقيت يعكس رغبة القاهرة في تثبيت موقعها المحوري كوسيط إقليمي في قضايا السلام، وإبراز تقديرها للدور الأميركي في دعم الجهود المصرية لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
أرفع وسام مصري
تُعد قلادة النيل، التي استُحدثت بالقانون رقم 12 لسنة 1972، أعلى درجات التكريم في الدولة المصرية، ولا تُمنح إلا بقرار من رئيس الجمهورية شخصيًا.
ويجوز، وفق القانون، منحها لرؤساء الدول وأولياء العهود ونواب الرؤساء، أو لمن يقدمون خدمات جليلة للوطن أو للإنسانية.
وتُصنع القلادة من الذهب الخالص أو الفضة المذهبة، وتزينها وحدات زخرفية تحمل رموزًا فرعونية وزهور اللوتس والبردي، في دلالة على وحدة مصر بين الشمال والجنوب.
ويُؤدى التعظيم العسكري لحامل القلادة بعد وفاته، في إشارة إلى مكانتها الرسمية الرفيعة.
من ناصر إلى مانديلا.. وسام له تاريخ
منذ تأسيسها، منحت القاهرة قلادة النيل لعدد من الزعماء والشخصيات العالمية البارزة، أبرزهم نيلسون مانديلا والملكة إليزابيث الثانية والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك سلمان بن عبد العزيز.
أما من الرؤساء الأميركيين، فقد نالها كل من ريتشارد نيكسون، جيرالد فورد، جيمي كارتر، رونالد ريغان، وأخيرًا دونالد ترامب.
وفي الداخل المصري، نالها رموز العلم والفكر مثل نجيب محفوظ، أحمد زويل، محمد البرادعي، ومجدي يعقوب، إلى جانب الرؤساء المصريين السابقين.
الإهداء لا المنح.. بروتوكول رسمي صارم
يوضح الخبير في البروتوكول الدولي طارق عبد العزيز أن للرئيس المصري وحده حق منح أو إهداء القلادة، مشيرًا إلى وجود فرق جوهري بين المصطلحين؛ إذ يُستخدم "الإهداء" عند منحها لرؤساء الدول الأجنبية تقديرًا لإسهاماتهم، بينما يُقال "منح" عند تقديمها لشخصيات مصرية بارزة.
ويتم تقليد القلادة خلال مراسم رسمية، حيث يعلقها الرئيس بنفسه حول عنق المكرَّم، ويُسلم له براءة رسمية موقعة من رئيس الجمهورية، باعتبارها وثيقة ذات طابع رسمي وتاريخي.
دلالة سياسية تتجاوز التكريم
تحمل خطوة تكريم ترامب بقلادة النيل أبعادًا سياسية تتجاوز الطابع البروتوكولي، إذ تراها دوائر دبلوماسية تأكيدًا على عمق العلاقات المصرية الأميركية، واعترافًا بدور واشنطن في دعم الجهود المصرية لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
كما تمثل القلادة، في هذا السياق، رسالة تقدير وشكر من القاهرة تجاه الشركاء الدوليين الذين يساندونها في مساعيها نحو السلام، ما يجعل الوسام ليس مجرد شرف فخري، بل أداة دبلوماسية رفيعة المستوى توظفها الدولة المصرية بحكمة في علاقاتها الخارجية.
0 تعليق