تشهد محكمة جنايات شبرا الخيمة، الدائرة الأولى مستأنف، برئاسة المستشار فوزي يحيى أبو زيد، وعضوية المستشارين ضياء الدين عبد المنعم شوقي، حسين رشدي حسين، أحمد شوقي عبد اللطيف، وإسلام محمد أبو النصر، وبأمانة سر حلمي محمود، أولى جلسات الاستئناف في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«قضية الدارك ويب»، والمتهم فيها شخصان بقتل طفل في شبرا الخيمة وسرقة أعضائه البشرية لبيعها عبر الإنترنت المظلم، وسط إجراءات أمنية مكثفة.
تفاصيل الجريمة
الجلسة الأولى للمتهمين اعادت إلى الأذهان جريمة الدارك ويب التي راح ضحيتها "أحمد محمد سعد"، الطفل الذي كان في سن الزهور، كان يحلم بحياة طبيعية مثل أقرانه، لكن القدر لم يمهله. وُلد ونشأ في منطقة عزبة عثمان بشبرا الخيمة. لم يكن مشهورًا، لم يكن لديه عداوات، ولم يكن حتى معروفًا بأي سلوك شاذ، لكنه وقع فريسة في فخ شيطاني، نُصب له بدقة على يد شخصين، أحدهما من أبناء منطقته، والآخر طالب يعيش في الكويت.
في شهر أبريل من عام 2024، استدرج أحد المتهمين الطفل أحمد إلى منزله، مدّعيًا صداقته له، ليقدم له مشروبًا يحتوي على عقاقير مخدّرة أفقدته وعيه تمامًا. بعد ذلك، قام بخنقه باستخدام حزام جلدي حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
المأساة لم تقف عند هذا الحد، بل تم التمثيل بجثته، واستخراج بعض أعضائه ووضعها في كيس بلاستيكي. وتم تصوير هذه الجريمة بتفاصيلها البشعة، ما أثار الريبة بأن الأمر يتجاوز كونه جريمة قتل عادية، وأن هناك نية لتسويق الجريمة أو أجزائها البشعة عبر الإنترنت المظلم لأغراض مادية.
المتهمون ودوافعهم
المتهم الأول هو شاب يُدعى "طارق. أ. ع"، يبلغ من العمر 29 عامًا ويعمل بمقهى في المنطقة نفسها. أما المتهم الثاني، فهو طالب يُدعى "علي الدين. م. ع"، يبلغ من العمر 15 عامًا، وكان يقيم في دولة الكويت.
التحقيقات كشفت أن المتهمين كانا على تواصل إلكتروني، وتخططوا للجريمة بدقة. أقر المتهم الثاني خلال التحقيقات أنه شارك في إعداد المخطط، وساهم في توفير العقاقير التي تم استخدامها لتخدير الضحية، واعترف بأن الجريمة كانت تهدف إلى تصوير فيديوهات لبيعها على مواقع في الدارك ويب مقابل مبلغ مالي ضخم قُدّر بخمسة ملايين جنيه.
مصطلح "الدارك ويب" يشير إلى تلك المساحات المظلمة من الإنترنت التي لا يمكن الوصول إليها عبر المتصفحات ومحركات البحث التقليدية. يُستخدم برنامج مثل "Tor" للدخول إلى هذه الشبكة، وتُعد مرتعًا لأنشطة غير قانونية مثل الاتجار بالبشر، المخدرات، الأسلحة، وغسيل الأموال، إلى جانب محتويات صادمة مثل بث جرائم القتل الحيّة أو فيديوهات استغلال الأطفال.
في حالة طفل شبرا، يُشتبه أن المتهمين كانوا ينوون بيع فيديوهات الجريمة على تلك المنصات المجهولة التي يدفع المستخدمون فيها بالعملات الرقمية مثل "بيتكوين" للحصول على هذه المقاطع.
المجتمع في حالة صدمة
لم يكد الناس يفيقون من صدمة جريمة الطفل، حتى بدأوا يدركون أبعادها الأخطر. فالصدمة لم تكن فقط في مقتل طفل بريء، بل في انخراط قاصرين وشباب في جرائم ترتبط بجهات على الإنترنت، قد تكون خارج نطاق السيطرة القانونية المحلية.
سكان شبرا الخيمة خرجوا في جنازة مهيبة للطفل، وهم في حالة من الذهول والحزن، فيما طالب العديد منهم بتشديد الرقابة على الإنترنت ومراقبة استخدام المراهقين للهواتف الذكية ومواقع التواصل.
النيابة العامة فتحت تحقيقًا موسعًا في القضية، وواجهت المتهمين بالأدلة، بما فيها الفيديوهات التي تم العثور عليها، والمحادثات الإلكترونية بين المتهمين. كما أرسلت الأجهزة الأمنية إشارات واضحة إلى أن مثل هذه الجرائم لن تمر مرور الكرام، خاصة تلك المرتبطة بالإنترنت المظلم.
وفي تطور لافت، تمت إحالة أوراق المتهم الأول إلى مفتي الجمهورية تمهيدًا للحكم عليه بالإعدام، ما يعكس خطورة الجريمة واستثنائيتها في السياق الجنائي المصري.
خبراء: الجريمة جرس إنذار
يرى خبراء علم النفس والاجتماع أن هذه الجريمة تُعد مؤشرًا خطيرًا على نوع جديد من الجرائم التي لا ترتبط فقط بالعنف، بل بالتكنولوجيا والاختراق الأخلاقي.
يقول الدكتور سامي خليل، أستاذ علم الاجتماع:
"لدينا جيل يتعامل مع التكنولوجيا بشكل منفلت، ومع غياب الرقابة الأسرية وضعف الوعي الديني، تظهر شخصيات مريضة قادرة على تنفيذ جرائم مروعة بهذه الصورة."
قضية طفل شبرا يجب أن تكون ناقوس خطر يدقّ في كل بيت ومدرسة ومؤسسة. هناك حاجة ملحة لتوعية الأطفال والمراهقين بخطورة الإنترنت المظلم، ووضع برامج توعوية في المدارس والمساجد والكنائس، وتدريب الآباء على تقنيات المراقبة الذكية دون اختراق خصوصية أبنائهم.
كما أن هناك ضرورة لتشديد الرقابة على المحتوى الرقمي، ووضع تشريعات تتيح ملاحقة المتورطين في جرائم الإنترنت حتى خارج الحدود الجغرافية.
0 تعليق