تتصدر مصر مشهد الدبلوماسية العالمية، في "قمة شرم الشيخ للسلام" التي تنطلق غدا، برئاسة مشتركة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، وبمشاركة قادة أكثر من عشرين دولة.
تأتي القمة تتويجاً لجهود مصرية دؤوبة استمرت أشهراً في الوساطة، حيث تمكنت الدبلوماسية المصرية، عبر علاقاتها مع جميع الأطراف، من تسطير فصل جديد في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتعقد القمة بعد يومين فقط من بدء سريان وقف إطلاق النار في غزة، مما يؤكد الدور المصري المحوري ليس فقط في إطفاء نيران الحرب، ولكن أيضاً في تشكيل ملامح مرحلة السلام وما بعد الحرب.
الحضور الدولي الواسع.. تشكيل تحالف عالمي من أجل السلام
تشهد قمة شرم الشيخ للسلام حضوراً دولياً لافتاً يعكس الإجماع العالمي على أهمية هذه اللحظة التاريخية، ووفقاً لمصادر مطلعة، فقد أكد 25 من القادة والرؤساء حضورهم إلى شرم الشيخ، ممثلين عن دول عربية وإسلامية وأوروبية وآسيوية، بالإضافة إلى ممثلي منظمات دولية وإقليمية.
ومن أبرز الشخصيات التي أكدت حضورها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أعلن قصر الإليزيه عن زيارته إلى مصر لدعم تنفيذ خطة السلام التي توسط فيها ترامب، كما يحضر القمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف.
ولعل المفاجأة الأبرز هي حضور الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي يمثل مشاركته نقطة بالغة الأهمية في المشهد الإقليمي. هذا بالإضافة إلى مشاركة المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس، مما يعكس الطابع الدولي والإقليمي الشامل للقمة.
التحضيرات المكثفة والرعاية المصرية الأمريكية المشتركة
تشهد مدينة شرم الشيخ استعدادات استثنائية لاستقبال قادة العالم في واحدة من أهم القمم الدولية منذ اندلاع الحرب في غزة قبل عامين، وقد جرت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين القاهرة وواشنطن لتحضير للقمة، حيث بحث وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي والأمريكي ماركو روبيو في اتصال هاتفي الجمعة التفاصيل النهائية للترتيبات الخاصة بالقمة، بما في ذلك الجوانب الموضوعية وآليات التنفيذ.
ومن المقرر أن يعقد الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب قمة ثنائية على هامش القمة الدولية، إلى جانب ترؤسهما المشترك لفعاليات قمة السلام، كما أن توقيت انعقاد القمة يوم الاثنين الموافق 13 أكتوبر 2025 من الساعة 2:30 إلى 4:25 مساءً بتوقيت فلسطين في مركز المؤتمرات الدولي في شرم الشيخ، يضعها في بؤرة الاهتمام الإعلامي العالمي.
مسار التفاوض والاتفاق التاريخي
تمثل قمة شرم الشيخ تتويجاً لمسار تفاوضي مكثف شهدته الأسابيع الماضية في شرم الشيخ نفسها، بمشاركة وساطة من مصر وقطر وتركيا، وبإشراف أمريكي مباشر، وقد دخلت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس حيز التنفيذ يوم الجمعة، حيث بدأت مهلة 72 ساعة أمام حماس لإطلاق سراح الرهائن مع انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض المناطق. وبموجب هذا الاتفاق، ستفرج حماس عن 47 رهينة، أحياء وأموات، من أصل 251 اختُطفوا في هجوم السابع من أكتوبر 2023، إضافة إلى رفات رهينة احتجز عام 2014. وفي المقابل، ستفرج إسرائيل عن 250 معتقلاً فلسطينياً محكومين بالسجن المؤبد، و1700 معتقل من سكان غزة احتجزوا منذ اندلاع الحرب.
وعبر الرئيس الأمريكي عن ثقته بأن وقف إطلاق النار "سيصمد"، وتوقع عضو المكتب السياسي لحماس حسام بدران أن تكون مفاوضات المرحلة الثانية من الخطة، التي تنص على نزع سلاح الحركة في غزة، أكثر صعوبة وتعقيداً.
الرحلة الدبلوماسية المكثفة للرئيس ترامب
قبل توجهه إلى شرم الشيخ، يعتزم ترامب زيارة إسرائيل صباح الاثنين في زيارة تستمر نحو 4 ساعات، وتشمل اجتماعات مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعائلات المحتجزين الإسرائيليين، وسيلقي ترامب كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي عند الساعة 11:00 صباحاً، وفقاً لما أفادت به القناة 12 الإسرائيلية.
وهذه الزيارة تأتي في إطار الضمانات الأمريكية لجميع الأطراف، وتعكس الدور الأمريكي الفاعل في هذه العملية السلامية. ومن المتوقع أن تركز كلمة ترامب على الرؤية الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط وآليات تنفيذ الاتفاق، خاصة في ظل تصريحاته التي أعرب فيها عن اعتقاده بأن وقف إطلاق النار في غزة سيؤدي إلى سلام أوسع في المنطقة.
الموقف الفلسطيني واستعدادات ما بعد الحرب
على الجانب الفلسطيني، عقد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اجتماعاً الخميس الماضي برئاسة نائب رئيس دولة فلسطين حسين الشيخ نيابة عن الرئيس محمود عباس، ناقش خلاله الاتفاق المعلن في شرم الشيخ تحت رعاية مصر.
وأعربت اللجنة عن ترحيبها بنتائج الاتفاق، خاصة وقف حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ عامين ضد شعب قطاع غزة، والتي أسفرت عن استشهاد عشرات الآلاف معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن. وأشادت اللجنة بالجهود الكبيرة التي بذلها الرئيس الأمريكي ترامب، إلى جانب الوساطة من مصر وقطر وتركيا.
كما أكدت أن السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومتها أكملت الاستعدادات اللازمة لمواجهة ما بعد الحرب المدمرة، وإزالة الأنقاض وتقديم الإغاثة للمتضررين، والإسراع بعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة بالتنسيق مع مصر. كما رحبت بالدعوة المصرية لبدء حوار وطني فلسطيني شامل بين جميع الفصائل الفلسطينية.
توقعات بالتحديات المستقبلية وآفاق السلام
رغم التفاؤل الحذر الذي يخيم على الأجواء، يرى مراقبون أن المفاوضات المقبولة ستكون أكثر صعوبة، خاصة في المرحلة الثانية من الخطة التي تنص على نزع سلاح حركة حماس في غزة. كما أن عملية التبادل نفسها تواجه بعض التحديات، حيث قال مصدر مطلع على مفاوضات شرم الشيخ إن التفاوض لا يزال مستمراً بشأن بعض أسماء الأسرى الفلسطينيين، ومن بينهم أسماء القادة الكبار.
ومن المتوقع أن تتم عملية التبادل من دون مظاهر عسكرية احتفالية، وبعيداً عن الجمهور، وبمتابعة ومراقبة من الوسطاء. وتأتي القمة في إطار مساعٍ دولية متواصلة لإنهاء النزاعات وتعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وتمثل محاولة جادة لفتح صفحة جديدة في هذا الملف المعقد الذي طال أمده. وتبحث القمة مستقبل قطاع غزة وما بعد الحرب، حيث من المقرر أن تناقش ترتيبات ما بعد الحرب وفتح آفاق جديدة للتعاون الإقليمي، خاصة في ظل الدمار الهائل الذي لحق بغزة والذي أسفر عن مقتل أكثر من 67,000 فلسطيني وتشريد حوالي 90% من السكان، فضلاً عن الأزمة الإنسانية الخانقة.