«لقد قتلت قيصر ليس لأننى أحببته أقل.. بل لأننى أحببت روما أكثر»، بهذه الكلمات برر «بروتوس» خيانته لصديقه وقائده يوليوس قيصر فى مسرحية شكسبير، معتبرًا أن اغتيال «قيصر» على يد مجموعة من المسئولين والقادة سينقذ روما من طموحات ديكتاتوريته المطلقة، وسيعيد الجمهورية إلى طريقها الصحيح، غير أن التاريخ أثبت خطأه بعد أن اندفعت الإمبراطورية إلى طريق الحرب الأهلية.
وفى الواقع، فإن ما حدث مع الأهلى فى كأس العالم للأندية ٢٠٢٥ يشبه إلى حد كبير مشهد اغتيال يوليوس قيصر المسرحى، فالفريق الأحمر أضاع على نفسه فرصة تأهل تاريخية، بعد أن أوقعته قرعة البطولة فى مجموعة يسهل اقتناص ٦ نقاط منها، لكن جميع مسئوليه غسلوا أيديهم مبكرًا من دماء الفشل، بعد أن أقالوا المدير الفنى للفريق، وأدخلوا صفقات جديدة ومديرًا فنيًا لم يسبق لهم التنافس فى مثل هذا المستوى من قبل، ثم بعثروا كل الأوراق ظنًا منهم أن هكذا يكون الاستعداد للبطولة، قبل أن يتركوا اللاعبين ومدربهم فى مرمى نيران الجماهير، الذين باعوا لهم أكذوبة «التمثيل المشرف».
وإن كانت روما دفعت ثمن الطموح المفرط ليوليوس قيصر والقرارات العاطفية غير المسئولة لمعارضيه، فإن الأهلى لم يكن بعيدًا عن نفس المصير، ودفع ثمن القرارات غير المدروسة والعشوائية، وقتل حُلمه المونديالى مرة أخرى بخناجر محبيه، الذين ظنوا أنهم ينقذون «نسر الجزيرة». أولى خطوات الأهلى نحو الإخفاق فى كأس العالم للأندية بدأت برحيل محمد عبدالمنعم، مطلع الموسم الماضى، رغم أنه المدافع الأفضل داخل إفريقيا، بعد أن خرج من الأهلى تاركًا الفريق دون أفضل لاعبيه فى الخروج بالكرة من الخلف، وأثقلهم موهبة وتركيزًا.
وبدلًا من التدعيم بمن يؤدى أدوار «عبدالمنعم» اكتفى «الأحمر» بضم أشرف دارى، الذى يختلف فى أسلوبه عما يجيده سابقه من واجبات بناء الهجمة والخروج بالكرة من الدفاع، ومع إصابة على معلول، فقد الأهلى ٦٠٪ من قوته الهجومية قبل انطلاق الموسم.
ولكن: هل رحيل «عبدالمنعم» وإصابة «معلول» هما فقط من أسقطا الأهلى؟، الإجابة قطعًا هى: لا، لكن ما حدث فى استقدام بديل للأول واللعب دون الثانى دليل على طريقة إدارة ملف الصفقات فى أروقة لجنة تخطيط القلعة الحمراء، مع اختلاف أعضائها.
«هو اللى عمل فينا كده».. بتلك الكلمات ألقى محسن صالح، الرئيس السابق للجنة تخطيط الأهلى، بمسئولية الخروج الإفريقى أمام صن داونز على عاتق مارسيل كولر، المدير الفنى الأسبق للفريق، بعدما كبّل يديه برفض طلباته من الصفقات والتدخل فى كل شئون الفريق الفنية.
ولا يخفى على أحد الاجتماعات العاصفة بين «صالح» و«كولر» خلال فترتهما بالأهلى، والخلافات بين الثنائى على الصفقات من جهة، وطريقة اللعب من جهة أخرى.
الأهلى الذى كان على بعد عام واحد فقط من كأس العالم للأندية، أجرى ٤ تدعيمات صيفية، باستعارة يوسف أيمن ويحيى عطية الله وضم أشرف دارى وعمر الساعى، ومع تزايد الغضب من مستوى الفريق واقتراب موسم الانتقالات الشتوى، أدرك مسئولو «تخطيط الأهلى» أن الفريق بحاجة لأجنحة هجومية ولاعبى وسط ملعب بأدوار هجومية.
والسؤال الذى يجب طرحه هنا هو: هل وضع أحد خطة واضحة لما يريده الأهلى من المونديال؟، والإجابة يمكن استخلاصها من المشهد العبثى والطريقة التى أدير بها ملف صفقات الأهلى فى الموسم المنقضى، فلا أحد كان يعرف ماذا يريد «الأحمر» حقًا من مونديال الأندية، وهو ما ظهر على اختيارات اللاعبين، وكذلك أزمات «كولر»، الذى أدرك أن الأهلى لا يعرف أهدافه من المشاركة فى البطولة، فتحول مع الوقت إلى موظف ستينى يريد الاحتفاظ بسجله الوظيفى نظيفًا لحين الحصول على مكافأة نهاية الخدمة، التى كانت فى حالة «كولر» هى المشاركة بالمونديال فقط.
ومع الوقت، أصبح الرجل الذى كان دائم الخلاف مع لجنة التخطيط على أسماء الصفقات لا يحرك ساكنًا، وترك الأمر برمته لـ«رجال التخطيط»، واحتفظ لنفسه باختيار من يشارك ومن يجلس بديلًا، ثم فى ميركاتو يناير، وبعد أن باتت الأمور أقرب للأزمة الكبرى، تحركت الإدارة وضمت أشرف بن شرقى وأحمد رضا ونايتس جراديشار، واستعادت أحمد قندوسى، ثم تخلت عنه، رغم احتياج الفريق الفنى للاعب وسط ملعب هجومى.
إدارة الأهلى قررت قبل ميركاتو يناير بثلاثة أشهر تعيين محمد رمضان فى منصب المدير الرياضى للفريق، وأقالته بعد أقل من ٩ أشهر، دون أى إنجاز واضح لمدير رياضى أو خطة مستقبلية للفريق يمكن الارتكان إليها فى المونديال المنتظر آنذاك.
مارسيل كولر، المدير الفنى الأسبق للأهلى، تحدث أكثر من مرة فى الإعلام خلال الموسم المنصرم عن احتياج الفريق للعديد من الصفقات، ولوّح بأزمات الغرف المغلقة فى مناقشات أسماء اللاعبين المطروحة عليهم. ورغم نفى بعض مسئولى الأهلى لما أثاره كولر قبل رحيله، فإن الأمر بات جليًا بعد الإعلان عن صفقات كأس العالم للأندية، باستعادة محمود حسن تريزيجيه واستعارة حمدى فتحى لخوض البطولة فقط، بجانب الصفقات الشتوية اللامعة، فقط لإثارة حماس الجماهير نحو ما سيقدمه أولئك اللاعبون فى المونديال، وكأن الأمر برمته يعتمد على اللاعبين فقط.
ولكن، ورغم التعاقدات الكبيرة التى أبرمتها إدارة الأهلى فإن الملف التعاقدى افتقر أمرًا مهمًا فى لعبة كرة القدم، وهو الدفاع.. الخط الخلفى الذى كان- وما زال- بحاجة لتدعيمات ذات جودة عالية، فلتعويض «المدافع الأفضل» داخل إفريقيا يحتاج الأهلى لـ«فريق كشافة» يبحث فى مواهب القارة بجدية دون أن يضيع الوقت فى حسابات ومجاملات. إن مسئولية الخروج من مونديال الأندية يتحملها كل من يمثل نادى الأهلى، سواء إداريًا أو فنيًا، خاصة لاعبى الفريق الذين تركوا كرة القدم جانبًا واهتموا بالحصول على اللقطة والتركيز على المجد الشخصى وتفضيله على مجد الفريق.
على المستوى الفنى فى مونديال الأندية، لا يمكن القسوة على المدير الفنى خوسيه ريبييرو أو تحميله مسئولية الأداء المهتز، خاصة فى الشوط الثانى من المباريات، ولكنه يتحمل مسئولية جموده الفكرى وتمسكه بتطبيق أفكاره بين ليلة وضحاها، والتغييرات الكثيرة التى أجراها على التشكيل فى المباريات الثلاث.
ورغم ذلك، فإن الأهلى ما زالت أمامه فرصة للعمل مجددًا بشكل مؤسسى وخططى والاستعداد لمونديال الأندية المقبل، ولكن بما يستحقه اسم نادى الأهلى هذه المرة، وأولى خطوات العمل البدء فى إجراء عملية الإحلال والتجديد فى الصفوف، بالاستغناء عمن خرجوا عن الخدمة وأصبحوا عبئًا على الفريق، وإفساح الطريق لأصحاب المواهب ومن لا يزال لديهم ما يقدمونه لصالح «المارد الأحمر».
أما عن نظرية «التمثيل المشرف»، فإن الأهلى وشهرته العالمية تخطت تلك النظرية، وأصبح ينظر إليه بعين الاعتبار فى حسابات المجموعات والتأهل، ولم يعد بحاجة لما يقال عنه «تمثيل مشرف» بقدر ما هو بحاجة إلى تمثيل يستحقه النادى، فالمكاسب المادية التى يتغنى بها من يتبنون نظرية «التمثيل المشرف» كان من الممكن أن تتضاعف لو كانت للأهلى خطة واضحة لتحقيق أهداف محددة مسبقة من المونديال، وليست مشاركة عشوائية.