وسط ضجيج التصعيدات العسكرية، وتحركات القوى الكبرى في الشرق الأوسط، دوّت أخبار الهجوم الأمريكي على منشآت إيران النووية كقنبلة سياسية، لكن المثير للدهشة أن العالم لم يشهد أي مؤشرات على تسرب إشعاعي، السؤال الذي تردّد كثيرًا، لماذا لم تظهر مستويات مرتفعة من الإشعاع رغم أن الضربة استهدفت منشآت حساسة؟
العمق هو السر في التسرب النووي
الإجابة لم تأتِ من مصدر غربي، بل جاءت من خبير مصري هو الدكتور أمجد الوكيل، الرئيس الأسبق لهيئة المحطات النووية، الذي أوضح عبر منشور على مواقع التواصل، أن "العمق هو السر".
المنشآت النووية الإيرانية، مثل "فوردو" و"نطنز"، بُنيت بذكاء هندسي عسكري، حيث تقع على أعماق تتراوح بين 10 إلى 90 مترًا، بعضها محفور داخل الجبال، وهذا التصميم العميق لم يكن فقط لأسباب أمنية، بل أيضًا ليشكل حاجزًا طبيعيًا أمام أي تسرب إشعاعي محتمل.
ثلاثة أسباب رئيسية حمت المنطقة من الإشعاع
1. امتصاص الطاقة الانفجارية، الصخور والخرسانة المحيطة بالمواقع تقلل من شدة الانفجار.
2. احتواء التسرب: حتى لو حدث تسرب، فإن العمق يُبقي المواد المشعة محاصرة بعيدًا عن البيئة.
3. صعوبة الاستهداف الكامل: القنابل الخارقة قد لا تصل لقلب المنشأة، ما يمنح الأجهزة الحساسة فرصة للنجاة.
وقد شرح "الوكيل" أن منشأة "فوردو" تقع على عمق 80-90 مترًا داخل جبل، ما يمنحها أعلى درجات الحماية، بينما نطنز تقع تحت الأرض بعمق أقل، لكنها أيضًا مدعّمة بسقف خرساني مسلح.
ورغم أن العمق لا يمنع التسرب تمامًا، إلا أنه يُضعف احتمالية وصول المواد المشعة للسطح أو للدول المجاورة عبر الهواء أو الانفجارات.
العمق الهندسي للمنشآت كان كافيًا لامتصاص الصدمة وحماية البيئة
الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية لم يؤدِّ إلى كارثة بيئية إشعاعية، ليس لأن الأسلحة لم تكن قوية، بل لأن العمق الهندسي للمنشآت كان كافيًا لامتصاص الصدمة وحماية البيئة، وفي عالم تتداخل فيه السياسة بالعلوم، يتضح أن بعض الأسرار الدفينة تحت الأرض قد تكون أكثر أمنًا من كل التحالفات فوقها.
العمق كخط دفاع أول ضد الكوارث النووية
في ظل التصعيدات العسكرية وتزايد المخاوف من الحروب ذات الطابع النووي، تثبت التجربة الإيرانية أن التصميم الهندسي العميق للمنشآت النووية ليس ترفًا تقنيًا، بل ضرورة استراتيجية تمثل خط الدفاع الأول في مواجهة الكوارث الإشعاعية.
فوجود المواد النووية تحت الأرض، محصنة بطبقات من الصخور والخرسانة، يحد من خطر التسرب والدمار الواسع النطاق، ويحمي البيئة والدول المجاورة من التداعيات.
ومع أن العمق لا يضمن الحماية المطلقة، إلا أنه يظل عاملاً حاسمًا في تقليل الأضرار، ما يجعل التخطيط الهندسي عنصرًا لا يقل أهمية عن المعادلات السياسية والعسكرية في موازين القوى.