إيران بين العزلة والضربات.. خريف التحالفات وتصدع الردع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعيش إيران واحدة من أكثر اللحظات حرجًا في تاريخها الحديث، وسط تصعيد غير مسبوق تقوده إسرائيل والولايات المتحدة ضد أهداف استراتيجية إيرانية، في ظل عجز حلفائها عن تقديم دعم ملموس. فقد استهدفت الضربات العسكرية الإسرائيلية مواقع عسكرية حساسة وقتلت قيادات رفيعة في الحرس الثوري، تلاها قصف أميركي مباشر على منشآت نووية، ما يشير إلى تحوّل كبير في مستوى المواجهة.
القيادة الإيرانية تدرك الآن أنها تقف وحدها في ساحة المعركة، إذ تبدو الصين وروسيا حريصتين على تجنّب الانخراط العسكري، مفضلتين الاكتفاء بالدعم الخطابي. أما وكلاء طهران في المنطقة، الذين شكّلوا لعقود عمقها الاستراتيجي، فقد تراجعت قدرتهم وتأثيرهم الميداني بصورة لافتة.

في خطاب واضح النوايا، لمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن الهجمات لا تهدف فقط لتحييد البرنامج النووي، بل قد تمهّد الطريق لتغيير النظام في طهران، مما صعّد من حدة المخاوف لدى المراقبين من ردود فعل إيرانية غير محسوبة قد تقلب المنطقة رأسًا على عقب.

 

شراكة استراتيجية


ورغم الشراكات الاستراتيجية التي تجمع طهران ببكين وموسكو، أشار خبراء في "بلومبرغ إيكونوميكس"، من بينهم آدم فارار ودينا إسفندياري، إلى أن أياً من القوتين لا تُعدّ حليفًا عسكريًا ملتزمًا. فروسيا منشغلة بحربها في أوكرانيا، وتخشى من تبعات الانخراط في صراع جديد، بينما تُفضل الصين المحافظة على علاقاتها التجارية مع الغرب، خصوصاً في ظل هشاشة الاقتصاد العالمي.
حتى عضوية إيران في تكتل "بريكس"، التي انضمت إليه مطلع عام 2024، لم تحصّنها سياسيًا أو عسكريًا. التكتل التزم الصمت إزاء الضربات، فيما صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الشراكة مع طهران لا تشمل تعاونًا عسكريًا، مؤكدًا أن إيران لم تطلب أصلاً أي تدخل مباشر.
زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو لم تُسفر عن أكثر من كلمات تعاطف دبلوماسية، وهو ما يكرّس التحول في موازين الدعم مقارنةً بما جرى في عام 2015 عندما دخلت موسكو بثقلها إلى جانب إيران في الحرب السورية. أما اليوم، فإيران تواجه خطر السقوط في عزلة خانقة، قد تضعف قدرتها على الصمود في حال تطور التصعيد إلى مواجهة شاملة.


على الأرض، تبدو إيران معزولة أكثر من أي وقت مضى. حزب الله، أبرز وكلائها في لبنان، تلقى ضربات موجعة العام الماضي ويبدو حذراً من الانجرار إلى مواجهة شاملة، بينما الحوثيون الذين أطلقوا تهديدات عقب الضربات الأميركية، يواجهون بدورهم تهديدًا برد أميركي جديد. ووسط هذه المعادلة، لم تلوّح أي من هذه الجماعات بدعم حاسم أو رد مباشر على الضربات الأخيرة.


في المقابل، اختارت القوى الأوروبية الاصطفاف على الهامش. فبريطانيا تحت حكم حزب العمال المتوجّس من أي تورط جديد في الشرق الأوسط، لم تبدِ أي رغبة في المشاركة. ألمانيا تتبع مساراً مشوشاً بين تأييد إسرائيل والتوازن الدبلوماسي. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فوجد نفسه متجاهلاً من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رغم محاولاته الحثيثة للوساطة، ما يعكس تهميشًا واضحًا للدور الأوروبي التقليدي في أزمات الشرق الأوسط.
هذه الأزمة تُظهر بوضوح إعادة تشكّل موازين القوى في المنطقة. إيران، التي كانت تمسك بخيوط التأثير في أكثر من ساحة، تجد نفسها محاصَرة عسكريًا، معزولة دبلوماسيًا، ومهددة استراتيجيًا. وفي ظل انفراد واشنطن وتل أبيب بالمشهد، وتصاعد نذر المواجهة، يبدو أن طهران ستواجه قريبًا اختبارًا مصيريًا قد يحدد مستقبل النظام والبلد برمّته.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق المحكمة العربية للتحكيم تعقد مؤتمرا احتفاء بذكرى ثورة 30 يونيو
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل