قافلة الصمود.. بين التراب الوطني وعفرة الإخوان!

الأحد 22/يونيو/2025 - 11:11 م 6/22/2025 11:11:56 PM

هل رحلت الجماعة عن عالمنا؟!
هل حلت أفكار الإخوان عن سماء مصر للأبد؟! 
هل هناك حالة من التتصدي الثقافي لأفكار الإخوان؟!
قطعًا إجابة كل هذه الأسئلة: لأ.
لا تزال أفكار الإخوان المضللة الكاذبة تسعى بين أيدينا متخمرة في أذهنة الناس، أميل إلى الإعتقاد بأن كل ما هو سياسي بنيته الأساسية فكرية ثقافية، إذ أن الفكرة تبلورت واتسعت حتى راحت إلى مسرح السياسة. 
أقولها بصراحة.. الحظر السياسي الذي طوق الإخوان كجماعة إرهابية لا يعني بالضرورة اندثار فكر الإخوان من الشارع وما يتبعه من أفكار ورؤى ووجهات نظر فاسدة مضللة!
مئة عام إلا ثلاثة أعوام هى عمر الجماعة، كافية لتغلغل عفرة أفكارهم في مسام المجتمع، ويبقى الغبار عالق بالبشر والحجر، قصدهم الذي وجد ضآلته فيهم بالتبعية أم تعاطف معهم قليل الكياسة تحت تأثير العاطفة الدينية، التي هى أكثر العواطف تأججًا وانتشارًا وأكثرها احتياجًا للفطنة والنصاحة.. المؤمن كيس فطن. 
هناك نوع ثالث ليس ممن قصدهم ولا ممن تعاطف، لكنه لم ينج أيضًا من عفرة الإخوان، مستهم حتى أنستهم دون أن يشعروا ميزان الثوابت الوطنية، وحتمية أن تأتي في الذهن في تناول أي حدث مفاجئ يطرأ!
أخص بالذكر ما تم تسميته زورًا وبهتانًا قافلة الصمود!
في يوم وليلة ككل أحداث منطقتنا المشتعلة ظهرت تلك القافلة كالزرع الشيطاني، أتشكك في غرضها منذ اللحظة الأولى والمثل المصري يقول الغرض مرض!
وأتعجب ممن لم يساورهم الشك في مقصدها، بُيتت بليل، ثم أتى النهار ليرتدي من صنعوها لباس النضال المفاجئ، رغم أن ما يجري في غزة قارب على العامين.
الجدير بالذكر أن القافلة أتت بلا مساعدات ولا يحزنون.. فقط حناجر ملتهبة ومكر دفين!
قامت الدولة المصرية بواجبها في رد هذا الخبل، فعلت مصر ما تعتقده وتنتهجه في أحكام السيادة الوطنية، لا عبث يمس الأرض، ولا هزل يحيط مثقال ذرة من الأمن القومي.. 
لا خوف على الدولة المصرية في ذلك. فقد لقفت حيًات قافلة الصمود بكل حزم وصرامة.
لكن الأمر في رأيي لم ينتهِ بعد! 
كوني معنيًا ومهتمًا بالأفكار وحركتها في الوعي الجمعي، وعملية تسرسبها وانتشارها في الأذهان، ومن ثمَّ تطبيقها كفعل، عظيم كان أو بسيط، يجعلني أقف عند تعاطف البعض مع قافلة الصمود، أحاول تفكيك كيف فكرت أدمغتهم في الأمر، حتى دون أن يقصدوا الإساءة أو التفريط..
بقول آخر.. أقف وأهتم عند ذاك الرجل العادي البسيط الذي فور معرفته بأمر القافلة ابتهج وانتشى وقال في حماسة: "ينصر دينهم رجالة"، وتلك المرأة التي حينما علمت أن قافلة أتت لتنقذ غزة راحت تلهج في دعاء حار: "ربنا ينصرهم على الظلمة".
تصور معي أن كليهما في فورة حماسهم نسوا أن القافلة ومن عليها يدوسون على أرض مصرية، وينشرون البلبلة في مجال مصري هام وحيوي وحار وخطير، وسرعان ما تتسلل الفوضى وسط الهرج.
كيف نسى هؤلاء عامل الأمن القومي في هذه المعادلة؟!
كثيرًا منهم نسوه في بديهية مستفرة تؤكد أن أفكار الإخوان حول التراب الوطني تيبست في الأدمغة بالقدر الذي ينذر بالخطورة.
إذن التصدي للفكرة بالفكرة، بات حتمي وضروري في ظل ملاعيب الأبالسة والطريق شاق وطويل. 
حديث التراب كاشف، حديث الأرض يُغربل.
في الأزمنة واضحة المفاهيم ــ إذا صح التعبير ــ الإيماءة إلى الخيانة كانت يسيرة وغير ملتبسة بدون سفسطة أو طنطنة. 
بمعنى أن "خنفس" خان وطنه وعرابي وباع أرضه لصالح الإنجليز فوقع عليه إجماع الوصف إلا من الخونة أمثاله حيث لا غرابة في ذلك.
وقتها كان انسياح الحدود حيث لا حدود سببًا في تأجيل اشكالية النظر إلى الأرض، الوطن، التراب.
انداحت القومية المصرية كثمرة لثورة ١٩١٩، ثم سقطت الخلافة لأنها شاخت؛ ثم برز على السطح المسمار الذي أوجد اشكالية التراب؛ جماعة الإخوان المسلمون.
في سبيل وهم استعادة خلافة باهتة عسلها قليل ودماءها كثير، راح الإخوان يؤسسون في الأذهان فكرة انسياح الحدود بعدما تم رسم الحدود.
تحويل الماضي الذي كان واقعًا إلى فكرة تلعب في الأدمغة؛ فتهدد النظرة السليمة للتراب والأرض والوطن.
"الوطن حفنة تراب".
ذلك الاعتقاد الاخواني الفاسد أن الوطن ما هو إلا حفنة تراب لا قيمة له يجوز استعواضه واستبداله بأي تراب آخر يشملنا ويكفلنا ومن ثمّ اعتباره وطنًا لحين إشعار آخر!
عند هذا المفرق بدأ الخلط بين المعارضة والتراب!
أميل إلى الإعتقاد أن حديث التراب والأرض يوقف دبيب المعارضة حتى تنقشع أي غمة تحوم حول التراب والأرض.
يتجلى المد الإخواني في العقول والأدمغة عبر مئة عام توغلوا خلالها في القرى والحضر؛ عند أي ملمة تخص التراب والأرض.
إياك أن تتسرع بالحكم على أحد من أولئك الذين بين ظهرانينا بالخيانة والعياذ بالله؛ لأن "النخورة" الإخوانية في العقول سرحت ومرحت لقرن كامل. 
أية فكرة مهما كانت منطقية أو ساذجة، صحيحة أو خاطئة، قادرة على الإنتشار طالما هناك أفواه تنقل وعقول لا تعمل، حتى لو كان الاعتقاد أن "وجع البطن أفضل من كب الطبيخ". 
كثيرون في القرى والنواجع، حتى في العاصمة، سمعوا فكرهم أيام وليال، أدخلوهم ساحة الضباب وهونوا عليهم منطقة المياعة بين المعارضة الداخلية وثوابت التراب الوطني.. لا يقصدون الخيانة البتة بقدر أنهم لا يجيدون تمييز الوقت والتفرقة والصمت.
يعتبرون الخيانة بألا يسكتوا عن المعارضة، على الأقل خيانة لموقفهم.
بعضهم واعي مثقف لكنه يخاتل نفسه ويغض الطرف عن قراءات التاريخ؛ خصوصا في عصر المماليك، الذي يحوي على العديد من الحكام الذين انتصروا انتصارات حاسمة في الخارج رغم ما في الداخل من متاعب.. وسبحان من لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. 
أغلب المعتقدين في أن الوطن ما هو إلا حفنة تراب، إخوان كانوا أم غيرهم، يستندون في اعتقادهم المعيوب هذا إلى تأويل مُلفق منقوص للآية الكريمة من سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). 
يفسر هؤلاء ومن اتبعهم أن الاستضعاف والاضطهاد المشار إليه قد جاء على إطلاقه دون تحديد وتمييز ومن ثمَّ يسهل صبغ هجرتهم السياسية بالصبغة الدينية ومن وراها يأتي تضئييل قيمة الوطن لأنه يستضعف أولاده حتى الوصول للخيانة، فعلًا وقولًا، وكل ذلك يتم بالعدوان على النص بسوء التأويل. 
وبالاستناد والرجوع إلى تفسير الطبري للآية سنجد ما يلي: "إن الذين توفَّاهم الملائكة: إن الذين تقبض أرواحهم الملائكة، ظالمي أنفسهم يعني: مكسبي أنفسهم غضبَ الله وسخطه." قالوا فيم كنتم "، يقول: قالت الملائكة لهم: "فيم كنتم" أيِّ في شيء كنتم من دينكم! "كنا مستضعفين في الأرض: يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم وقوتهم، فيمنعونا من الإيمان بالله، معذرةٌ ضعيفةٌ وحُجَّة واهية" قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها "، يقول: فتخرجوا من أرضكم ودوركم، وتفارقوا من يمنعكم بها من الإيمان بالله إلى الأرض التي يمنعكم أهلها من سلطان أهل الشرك بالله، فتوحِّدوا الله فيها وتعبدوه".
أي أن الأمر كله يتعلق بالإضطهاد الديني ــ بتعبير العصرــ والأرض التي يُمنع الناس فيها من عبادة الله أو يُجبروا على ترك الإيمان به سبحانه. 
هذا التأويل بجملة نصه هذه لا علاقة له بمصر الوطن والمكان، هذا يليق ببلاد يشيع فيها الإضطهاد الديني، اللهم إلا بعض ممارسات للحسبة في مصر معلنة أو مكتومة لها أحاديث مشجونة فيما بعد، لكنها لا تصنع من المجال العام في مصر منطقة حجر إيماني أو تربصي للدين يخضعها لما جاء في الآية الكريمة، وأية محاولات لإخضاعها هو من قبيل التدليس والكذب الأشر والخيانة بلا مخاتلة!

 

 

 

 


 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رامي ربيعة على رأس تشكيل العين لمباراة مانشستر سيتي بكأس العالم للأندية
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل