بل سُنّة كسرى وقيصر

بل سُنّة كسرى وقيصر
بل
      سُنّة
      كسرى
      وقيصر

تواجَه الجيش الذى يقوده عمرو بن العاص وانضم إليه عبدالرحمن بن أبى بكر، والجيش الذى يقوده محمد بن أبى بكر- شقيقه الأصغر- داخل مصر، وكانت الهزيمة من نصيب محمد بن أبى بكر، وانفض جنوده من حوله، ففر إلى مكان مهجور، واختبأ لفترة من الوقت حتى أدركه معاوية بن حديج، أحد قادة جيش عمرو بن العاص، فقبض عليه. وبكل طاقته حاول عبدالرحمن بن أبى بكر إنقاذ أخيه من الموت، إلا أن «ابن حديج» لم يُمكنه من ذلك. 

يقول ابن الأثير: «قال عبدالرحمن بن أبى بكر لعمرو: ابعث إلى ابن حديج فأنهه عن أخى محمد. فبعث إليه يأمره أن يأتيه بمحمد، فقال: قتلتم كنانة بن بشر وأخلى أنا محمدًا؟ (أكفاركم خيرٌ من أولئكم أم لكم براءة فى الزبر). هيهات هيهات! فقال لهم محمد بن أبى بكر: اسقونى ماء. فقال له معاوية بن حديج: لا سقانى الله إن سقيتك قطرةً أبدًا، إنكم منعتم عثمان شرب الماء، والله لأقتلنك حتى يسقيك الله من الحميم والغساق! فقال له محمد: يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك إليك، إنما ذلك إلى الله، يسقى أولياءه ويظمئ أعداءه أنت وأمثالك، أما والله ولو كان سيفى بيدى ما بلغتم منى هذا. ثم قال له: أتدرى ما أصنع بك؟ أدخلك جوف حمار ثم أحرقه عليك بالنار. فقال محمد: إن فعلت بى ذلك فلطالما فعلتم ذلك بأولياء الله، وإنى لأرجو أن يجعلها عليك وعلى أوليائك ومعاوية وعمرو نارًا تلظى كلما خبت زادها الله سعيرًا. فغضب منه وقتله ثم ألقاه فى جيفة حمار ثم أحرقه بالنار».

نهاية مروعة انتهى إليها أمر محمد بن أبى بكر فى مصر، جعلت أخته عائشة تجزع عليه جزعًا شديدًا، وقنتت فى دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمرو، وأخذت عيال محمد إليها، لم يعلم على بمقتل محمد بن أبى بكر، وكان يرتب ليرسل إليه مددًا من الجند والسلاح، لكنه جاوبه بتخاذل من حوله، فأغلظ لهم فى القول فاستجابوا، ولكن ما إن وصلت سرايا جنده إلى مصر حتى علموا بمقتل محمد بن أبى بكر، وسيطرة عمرو بن العاص على مصر، وأن ولاءها أصبح للشام وليس العراق، فأبلغوا الأمر لعلى، فأعاد الجيش الذى أنفذه، وقال: ألا إن مصر قد افتتحها الفجرة أولو الجور والظلمة الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الإسلام عوجًا.

ظنى أن موقف عبدالرحمن بن أبى بكر اختلف من معاوية والأمويين بعد واقعة مقتل أخيه محمد بن أبى بكر بهذه الصورة على يد معاوية بن حديج، وقد ظهر انقلابه على الأمويين فى ذلك الحوار الذى دار بينه وبين «ابن حديج» لمّا ولاه معاوية بن أبى سفيان إمارة مصر وعزل عنها عمرو بن العاص، فقد مر عليه وهو جالس على عرش البلاد وقال له: يا معاوية قد أخذت جزاءك من معاوية، قد قتلت أخى محمد بن أبى بكر لتلى مصر فقد وليتها. فقال: ما قتلت محمدًا إلا بما صنع بعثمان. فقال عبدالرحمن: فلو كنت إنما تطلب بدم عثمان لما شاركت معاوية فيما صنع حيث عمل عمرو بالأشعرى ما عمل فوثبت أول الناس فبايعته. إذن موقف عبدالرحمن بن أبى بكر كان واضحًا فقد كان أميل لعلى، لكنه اضطر إلى الانحياز إلى معاوية، تحت ضغط ولائه لشقيقته من أمه السيدة عائشة التى رفضت بيعة على بن أبى طالب، بل وحاربته فى موقعة الجمل مع كل من طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام.

موقف عبدالرحمن بن أبى بكر ظهر جليًا بدرجة أكبر سنة ٥٠ هجرية عندما قرر معاوية بن أبى سفيان أن يأخذ البيعة من الناس لولده يزيد، فكتب إلى مروان بن الحكم واليه على المدينة يطلب منه أن يأخذ البيعة، فخطب مروان فقال: إن أمير المؤمنين رأى أن يستخلف عليكم ولده يزيد، سُنّة أبى بكر وعمر، فقام عبدالرحمن بن أبى بكر الصديق فقال: بل سُنّة كسرى وقيصر، إن أبا بكر وعمر لم يجعلاها فى أولادهما ولا فى أحد من أهل بيتهما. ويشير «السيوطى» فى كتابه «تاريخ الخلفاء»: وأخرج البخارى والنسائى وابن أبى حاتم فى تفسيره أن مروان خطب بالمدينة وهو على الحجاز من قبل معاوية فقال: إن الله قد أرى أمير المؤمنين فى ولده يزيد رأيًا حسنًا، وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر، فقال عبدالرحمن بن أبى بكر: سُنّة هرقل وقيصر، إن أبا بكر والله ما جعلها فى أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده، فقال مروان: ألست الذى قال لوالديه أف لكما؟ فقال عبدالرحمن ألست ابن اللعين الذى لعن أباك رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فقالت عائشة رضى الله عنها: كذب مروان ما فيه نزلت ولكن نزلت فى فلان بن فلان، ولكن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعن أبا مروان ومروان فى صلبه، فمروان فضض من لعنة الله.

يحكى «ابن كثير» أن معاوية بن أبى سفيان بعث إلى عبدالرحمن بن أبى بكر بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية، فردها عبدالرحمن وأبى أن يأخذها وقال: أبيع دينى بدنياى؟ وخرج إلى مكة فمات بها سنة ٥٣، مات وهو نائم، رضى الله عنه وأرضاه.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق وسام أبوعلى يتحدث عن التسجيل فى مرماه وتحسن الأداء أمام بورتو
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل