في الثاني والعشرين من يونيو لعام 972 ميلادية، وفي قلب القاهرة الفاطمية، دوَّن التاريخ لحظة فارقة في حياة الأمة الإسلامية، حينما شهد الجامع الأزهر إقامة أول صلاة جمعة في رحابه، بعد أن اكتمل بناؤه بأمر من القائد جوهر الصقلي بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي.
ولم تكن تلك الصلاة مجرد شعيرة دينية، بل كانت إيذانًا بميلاد منبر جديد، سيقود الأمة فكريًا وروحيًا على مدار قرون، فكما كانت الخطبة الأولى انطلاقة، يظل صوت الأزهر شاهدًا حيًا على التاريخ، وفاعلًا أصيلًا في الحاضر، وركيزة أساسية في مستقبل الوعي الديني والفكري.
وفي ذكرى الجمعة الأولى في الجامع الأزهر، يستعرض "الدستور" كواليس الخطبة الأولى به..
الجامع الأزهر.. منارة العلم والدين
منذ تلك الجمعة الأولى، لم يكن الجامع الأزهر مجرد مسجد تُقام فيه الصلوات، بل تحوّل سريعًا إلى جامعة إسلامية ومركز إشعاع علمي، جذبت إليه الطلاب من شتى أنحاء العالم الإسلامي، وتأسس الأزهر كذراع دعوية للدولة الفاطمية، لكنه ما لبث أن تجاوز حدود المذهب، ليصبح صوتًا جامعًا للفقهاء والعلماء من مختلف المذاهب والتيارات.
خطبة الجمعة الأولى
رغم أن التفاصيل الدقيقة لأول خطبة جمعة في الأزهر لم تُنقل إلينا بالنص، فإنها حملت رمزية كبرى للدولة الفاطمية، التي أرادت تثبيت أركان حكمها من خلال الدين والمعرفة، وقد خُصِّص الإمام القاضي "أبو الحسن علي بن النعمان"، أحد علماء الشيعة الإسماعيلية البارزين، لإلقاء خطبة تلك الجمعة التاريخية، وسط حضور رسمي وشعبي مهيب.
الجامع الأزهر بعد الفاطميين
لم يتوقف دور الأزهر بانتهاء العصر الفاطمي، بل ازداد رسوخًا، وواصل أداء دوره في عهود الأيوبيين والمماليك والعثمانيين، ليصبح لسان حال الأمة في المحن، وقلعتها الحصينة ضد الاحتلال والظلم، فمن خطبائه خرجت النداءات التي هزّت أركان الاستعمار، ومن منبره دعا العلماء إلى الجهاد ضد الغزاة، كما حدث في الحملة الفرنسية وثورة 1919.
الجامع الأزهر في العصر الحديث.. "صوت الاعتدال"
في العصر الحديث، حافظ الأزهر على رسالته الدينية والتعليمية، وعمل على تحديث مناهجه وتوسيع أفقه المعرفي، ليتماشى مع متغيرات العصر، مع الحفاظ على ثوابته.