شهداء الغدر.. حكايات 5 «أبطال ضد الإخوان»: «الجماعة قتلتهم بدم بارد»

جابر صلاح الشهير بـ«جيكا»، ومحمد حسين الشهير بـ«كريستى»، ومحمد الشافعى، ومحمد الجندى، والحسينى أبوضيف.. ٥ من وجوه الثورة ضد الإخوان، ولكل منهم قصة، ولكل منهم جريمة قُيّد بعضها ضد مجهول، بينما كان القاتل معروفًا، فى وقت حاول فيه الإفلات من العقاب بإنكار الجريمة، ونسبها للآخرين.

كل حالة من هؤلاء هى جريمة مكتملة الأركان، شاركت فيها جماعة الإخوان، ومكتب إرشادها، وساهموا وقتها فى طمسها، وأخفوا جريمتهم عبر بيانات رسمية وشهادات مضللة، وإعلام منحاز للجماعة.

وخلال فترة حكمها لم تتردد ميليشيات الجماعة فى استهداف شباب الثورة، فسقط العشرات بين قتيل برصاص مسلحى الإخوان، ومعذبٍ فى مقار الاحتجاز، بينما تواطأ «مرسى» إما بصمته أو بتزوير الحقائق عبر بيانات مكتب الإرشاد. 

وخلال عامى ٢٠١٢ و٢٠١٣ سجّلت الاحتجاجات ضد حكم الإخوان مئات الضحايا، تستعرض «الدستور» ٥ حكايات منها تكشف كيف سعت الجماعة إلى تحويل مؤسسات الدولة لأدوات للقمع، بما يؤكد أن «الشرعية» كانت مجرد شعار لتمرير أجندة دموية.

 

 

«كريستى».. الميليشيات استهدفته بعد تهديده

 

الشهيد محمد حسين قرنى، الشهير بـ«كريستى»، كان واحدًا من جيل ثورة ٢٥ يناير، وصوّت لـ«مرسى» فى الانتخابات، لكنه سرعان ما اكتشف الخداع، فأسس صفحة «إخوان كاذبون»، لرصد انتهاكات الجماعة.

وكان «كريستى» صريحًا مستقلًا ومهاجمًا ممارسات الجماعة التى رأى فيها اغتيالًا لثورة يناير باسم «الدين». فى ٢٥ يناير ٢٠١٣ شارك فى مسيرة الاتحادية، وكتب منشورًا لمّح عبره إلى شعوره بقرب استشهاده، متمنيًا جنازة مثل «جيكا».

وفى مساء نفس اليوم أصيب برصاصتين فى صدره، ورقبته، خلال مشاركته فى المسيرة، واستُشهد، ومعه صديقه «عمرو» الذى حاول إنقاذه، وشارك الآلاف فى تشييع جنازته، وهتف أصدقاؤه باسمه ورفعوا صورته، مؤكدين أنه قُتل لأنه فضح الجماعة، ووثقت شهادات زملائه تعرضه للتهديدات من قبل ميليشيات الجماعة قبل استشهاده، ما دفع حقوقيين للمطالبة بفتح تحقيق عاجل للقصاص من قاتليه.

 

«الشافعى»..  عُثر عليه مقتولًا.. ولم يُسلّم جثمانه إلا بضغوط حقوقية

 

الشهيد محمد الشافعى، شاب بسيط، لم يكن ينتمى لأى تيار سياسى، وخرج فى يناير ٢٠١٣ إلى ميدان التحرير للمشاركة فى مسيرات ضد حكم «مرسى»، إلا أنه اختفى منذ ذلك اليوم شهرًا كاملًا دون معرفة مكانه، أو إذا كان على قيد الحياة أو استشهد.

وبدأت والدته رحلة بحث مريرة استمرت نحو شهر فى أقسام الشرطة، والمستشفيات، ومشرحة زينهم، إلا أن جميعهم أنكروا وجوده، ولاحقًا اكتشف خاله أن الجثمان كان محفوظًا فى المشرحة منذ اليوم التالى لاختفائه، مصابًا بثلاث رصاصات «اثنتان فى الرأس، وواحدة فى الصدر»، وبلا ملابس، ولم يُسلّم إلا بعد ضغوط من منظمات حقوقية.

وتأخر الطب الشرعى فى تسليم التقرير، مبررًا ذلك بأن الجثمان مجهول، رغم تصويره، وتوثيقه، وصدرت الأوامر من قيادات الجماعة وقتها لإدارة مستشفى الهلال، والمشرحة، بإخفاء الجريمة، لتكون قصة «محمد» مثالًا صارخًا على انتهاكات عهد «مرسى»، ومحاولات طمس الحقيقة.

واللافت أن شهادات العاملين بالمشرحة وقتها أكدت وجود تعليمات «عليا» من الرئاسة بعدم تسليم الجثمان، أو الكشف عن هويته، ليصبح الهدف واضحًا للجماعة، وهو حرمان الشهيد من جنازة، ومن رواية القصة الحقيقية لمقتله، ومن حقه فى العدالة.

 

 

«جيكا».. أسس صفحة «معًا ضد الإخوان» والجماعة اتهمته بحيازة مفرقعات

 

حين نتكلم عن الشهيد جابر صلاح، الشهير بـ«جيكا»، فنجد أنه كان شابًا لم يتجاوز ١٦ عامًا، وناشطًا ومعارضًا لحكم الجماعة، ورغم أنه صوّت لـ«مرسى» كخيار اضطرارى أمام أحمد شفيق فى الانتخابات الرئاسية، فإنه سرعان ما عارضه بعد اكتشاف جرائم وخطايا «مرسى» وجماعته وعشيرته، ولذلك أسس صفحة «معًا ضد الإخوان المسلمين»، لفضح انتهاكات «المعزول» والتنظيم.

وفى ٢١ نوفمبر ٢٠١٢، وبعد الإعلان الدستورى الذى منح «مرسى» سلطات مطلقة، خرج «جيكا» مع آلاف الرافضين للحكم المطلق، فأصيب برصاص حى فى أحداث محمد محمود الثانية، واستشهد بعد ٥ أيام من دخوله فى غيبوبة فى مستشفى قصر العينى، ليكون أول شهيد فى عهد الإخوان؛ ليفجّر مقتله موجة غضب عارمة ضد «مرسى» وحكومته.

وحاولت الجماعة الإفلات من عقوبة جريمة قتله، فاتهمته زورًا بحيازة «مفرقعات»، بينما أطلق محمد بديع، مرشد الجماعة، تصريحه الهزلى الذى سخرت منه جميع القوى الثورية بقوله: «ما ذنب النباتات»، فى تزييف فج للحقائق، وساهمت وسائل إعلام محسوبة على الإخوان فى ذلك، إلا أن والده وأصدقاءه نفوا تلك الادعاءات وقتها، مؤكدين أن ابنهم لم يحمل فى حياته إلا علم مصر، وصوته فى الميدان.

وفى جنازته، رفعت صوره فى كل الميادين، وهتف آلاف الشباب باسمه، مؤكدين أن «جيكا» لم يكن إلا صوتًا للحقيقة، ووجهًا نقيًا للثورة.

 

«محمد الجندى»..  مات تحت التعذيب.. و«وزير عدل مرسى»: «عربية خبطته»

 

الشهيد محمد الجندى، الناشط السياسى عضو المكتب التنفيذى فى «التيار الشعبى المصرى»، كان واحدًا من أبرز شباب ثورة ٢٥ يناير، رفض عرضًا مغريًا للسفر إلى إحدى الدول الأوروبية ليعمل فى السياحة داخل مصر عقب ٢٠١١، قائلًا بكل وطنية: «لن أترك بلدى».

اختفى «الجندى» ليلة ٢٥ يناير ٢٠١٣، تحديدًا فى وسط القاهرة، وأبلغوا والدته بأنه محتجز فى معسكر الجبل الأحمر، وعلمت بعدها بأنه تعرض للتعذيب، عبر رفاقه الذين خرجوا لاحقًا من المعسكر، الذين أكدوا وجوده، لكن حكومة «مرسى» أنكرت ذلك فى محاولة للتنصل من الجريمة.

بعد أيام، عُثر عليه فاقدًا الوعى ومُصابًا بكدمات وكسور، قبل أن يتوفى فى مستشفى «الهلال». خرج المستشار أحمد مكى، وزير العدل فى عهد «مرسى»، زاعمًا أن «الجندى» توفى فى حادث سيارة، وهى المزاعم التى أسهمت فى قيد القضية ضد مجهول، فى واحدة من أبرز حالات التستر على التعذيب.

فتشريح الجثمان أثبت وجود آثار صعق بالكهرباء، وكدمات شديدة وكسور فى الضلوع والجمجمة، وهى أدلة كافية على تعرضه للضرب والتعذيب الممنهج، فى عهد محمد مرسى وجماعته الإرهابية.

 

«الحسينى أبوضيف».. صحفى وثق مجزرة الاتحادية فاغتالوه بطلقة مُحرّمة دوليًا

 

فى السادسة صباح ٦ ديسمبر ٢٠١٢، توجه كل من حسام السويفى، وعلاء العطار، عضوى مجلس نقابة الصحفيين وقتها، ومحمد كمال الدين فاضل، محامى أسرة الحسينى أبوضيف، ومحمود عبدالقادر، شاهد الإثبات فى اغتيال «أبوضيف»، إلى قسم الوايلى لتحرير محضر.

الأربعة اتهموا كلًا من الرئيس «آنذاك» محمد مرسى، و١٤ متهمًا آخرين من قيادات جماعة «الإخوان»، وعلى رأسهم خيرت الشاطر الذى أعلن «حالة النفير» الإخوانية، عصر يوم ٥ ديسمبر، ومحمود غزلان وعصام العريان وعبدالرحمن عز وأحمد المغير وأيمن هدهد وأسعد الشيخة- بقتل الشهيد الحسينى أبوضيف وآخرين فى مجزرة «الاتحادية».

المحضر استند إلى تصريحات قيادات «الإخوان»، يوم ٥ ديسمبر، بشأن فض اعتصام القوى الثورية المعتصمة عند قصر «الاتحادية»، ومن بينهم عبدالرحمن عز، الذى كتب عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك»: «العصر تأديب عند القصر»، إلى جانب عصام العريان، عضو مكتب الإرشاد الراحل، الذى حرّض شباب «الإخوان» على الذهاب إلى القصر الرئاسى لـ«فض الاعتصام بالقوة».

وقال شهود عيان إنهم شاهدوا عبدالرحمن عز، خلال مجزرة «الاتحادية»، يُسلّط الليزر على معارضى «الإخوان» من النشطاء، ومن بينهم الشهيد الحسينى أبوضيف، لتغتاله ميليشيات الجماعة، عقابًا له على تصويره نحو ٦ ساعات «فيديوهات وصورًا» وثقت استخدام ميليشيات التنظيم السلاح لفض الاعتصام بالقوة.

المحضر سالف الذكر، بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، تسبب فى الحكم على الرئيس المعزول محمد مرسى، و١٤ متهمًا آخرين، بالسجن ٢٠ عامًا، فى قضية أحداث قصر «الاتحادية» واغتيال الشهيد الحسينى أبوضيف، والشهيد محمد السنوسى، وآخرين.

ولم تفلح ادعاءات الجماعة وقتها، خاصة مرشدها محمد بديع، فى طمس الحقيقة، حينما ادّعى أن «جميع من سقطوا فى الاتحادية من جماعة الإخوان»، وهى ادعاءات كذّبتها الوقائع، إذ كان الحسينى أبوضيف منتميًا للتيار الناصرى المناهض لحكم «مرسى» منذ يومه الأول فى الرئاسة، بينما محمد السنوسى شاب مستقل معارض أيضًا لحكم «مرسى» وجماعته.

الشهيد الحسينى أبوضيف كان صحفيًا ميدانيًا فى جريدة «الفجر»، ولم يكن ناشطًا سياسيًا صداميًا كما أدعت قيادات «الإخوان» عقب اغتياله، بل كان حاملًا كاميرته الخاصة التى اشتراها على نفقته الخاصة، ووثق عبر تحقيقات صحفية قوية انتهاكات «مرسى» وجماعته، على صفحات جريدته، قبل اغتياله.

ففى ديسمبر ٢٠١٢، وأثناء تغطيته تظاهرات قصر «الاتحادية» ضد «الإعلان الدستورى»، وثّق «أبوضيف» بكاميرته لحظة اعتداء ميليشيات «الإخوان» على المتظاهرين بأسلحة آلية وخرطوش و«مولوتوف»، والتقط صورًا لرجال ملثمين يطلقون الخرطوش على المدنيين. كما صوّر لحظة إطلاق النار على معارضى الجماعة، ليكتشف عبدالرحمن عز ما فعله، ويسلط عليه الليزر الأخضر حتى يكون هدفًا لقناص الجماعة لاغتياله.

أُصيب الحسينى أبوضيف بطلقة مُحرّمة دوليًا فى الجبهة اليمنى من رأسه، دخل على إثرها فى غيبوبة لمدة ٦ أيام، وانتقل من مستشفى «الزهراء» التخصصى إلى «وحدة شريف مختار» فى مستشفى قصر العينى، قبل أن يُعلن عن استشهاده فى ١٢ ديسمبر ٢٠١٢.

كانت الحادثة صادمة للوسط الصحفى والقوى الثورية، فـ«أبوضيف» لم يكن متظاهرًا، بل شاهدًا على الجريمة، والصور التى التقطها سُرِّبت ونشرتها بعض الصحف، وأثبتت تورط عناصر من «الإخوان» فى استخدام السلاح.

وحتى لا تتحمل «الإخوان» أى مسئولية جنائية، حاول «مرسى» وجماعته وقتها الزعم بأن الرصاصة التى اغتالت الحسينى أبوضيف كانت عشوائية، وحاول الطب الشرعى وقتها طمس الحقيقة بإصدار تقرير مزور ادّعى عبره عدم توصله لنوع السلاح والمقذوف المستخدم فى الاغتيال. لكن أصدقاء «أبوضيف»، عقب ممارستهم الضغوط والتصعيد ضد «مرسى» وجماعته، نجحوا فى إصدار تقرير طبى حقيقى أكد اغتيال الشهيد بطلقة مُحرّمة دوليًا، خلال أحداث مجزرة «الاتحادية».

وطالبت «لجنة الحسينى أبوضيف»، التى تشكّلت عقب مقتله، بتحقيق دولى فى هذه الجريمة، وقدّمت أدلة بالصوت والصورة كشفت عن أن الاستهداف كان متعمدًا، وأن «مرسى» وجماعته وراء ذلك.

فى عهد «الإخوان» لم يكن القتل الممنهج مجرد حادث عابر، بل كان استراتيجية حكم. المعارض يُلاحق، والمتظاهر يُضرب، والصحفى يُقتل، والشهيد يُتهم بأنه بلطجى.. كانت كل أدوات الدولة تعمل لخدمة الجماعة.

لم يُحاسب أحد على هذه الجرائم فى عهد «مرسى»، ولم تُفتح أى قضية بشكل جاد. ولم تُنصف أسر الشهداء، بالعكس، نُكّل ببعضهم واتُّهموا بتكدير الأمن العام، وجرت مراقبة تحركاتهم. ما حدث بين نوفمبر ٢٠١٢ ويونيو ٢٠١٣ لم يكن مجرد انتهاكات، بل مشروع لإسكات الثورة، وقتل رموزها، وتصفية الشباب الذين حلموا بوطن حر: «جيكا» و«كريستى» و«الشافعى» و«الجندى» و«الحسينى»، الذين أصبحوا شهداء لم تُرفع صورهم فى قصور السلطة، بل فى الميادين، وعلى صدور الشباب، وفى ضمير مصر التى لم تنسهم ولن تفعل.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق دعاء الفجر اليوم الجمعة 20-6-2025.. أدعية يوم الجمعة
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل