يمثل السجناء المنتمون لتنظيم داعش الإرهابي، فى شمال سوريا صداعا للدول التى ينحدرون منها حيث يضم أكثر من ٥٠ جنسية، يرفض كثير منهم استقبالهم.
وفى هذا السياق نشرت إذاعة فرنسا الدولية تقريرا حول تفاصيل زيارة الوفد الفرنسى لمركز أوركيش شمال شرق سوريا، الذى يضم عددا من السجناء الشبان الحاملين للجنسية الفرنسية.
وبدأ التقرير برواية عن الشاب إيلس الذى كان فى الحادية عشرة من عمره عندما اقتاده والده الجهادى قسرا من فرنسا إلى سوريا احتُجز لفترة مع والدته، فنشأ، ثم سُجن بدونها فى معسكر آخر، وهو يعدّ الأيام منذ ذلك الحين، يتوسل إلى فرنسا لإعادته إلى وطنه.
وقال الشاب النحيل البالغ من العمر الآن ٢١ عامًا إنه قد مر "خمس سنوات وخمسة أيام"، على سجنه، حيث احتجز، وهو قاصر دون أى أخبار تُذكر عن والدته وإخوته، الذين ما زالوا محتجزين فى روج أفا، أحد المعسكرات التى تسيطر عليها القوات الكردية، كغيرها من المراكز والسجون.
يحتجز هناك عشرات الآلاف من الأشخاص، يمثلون حوالى خمسين جنسية مختلفة، يُشتبه فى صلتهم بتنظيم داعش الإرهابي.
بعد عودته لتوه من زيارة إلى مخيم روج ومراكز "إعادة التأهيل" فى أوركيش وهوري، أعاد الوفد الفرنسي، المؤلف من جمعيات ونائب فى البرلمان الأوروبى ومحامين، من سوريا طلبات إعادة ٢٣ شخصًا، بينهم ١٢ قاصرًا وسبعة شبان ويمثل هذا العدد نحو ١٢٠ طفلًا فرنسيًا وخمسين امرأة لا يزالون محتجزين.
لا تزال هذه القضايا حساسة فى فرنسا، بعد عشر سنوات من موجة الهجمات على أراضيها كما ندد الوفد برفض السلطات الفرنسية إعادة مواطنيها منذ آخر عملية له فى يوليو ٢٠٢٣، بينما واصلت دول أخرى عديدة القيام بذلك.
أوضحت المحامية أميلى مورينو، رئيسة لجنة الحريات وحقوق الإنسان فى المجلس الوطنى للمحامين (CNB)، فى مؤتمر صحفى عُقد فى باريس الإثنين الماضي: "فى عامى ٢٠٢١ و٢٠٢٣، زار إيلس أجهزة المخابرات الفرنسية، ويقول إنه كان يعتقد فى كل مرة أنه سيعود لأن هذا ما قيل له".
ومثل أربعة شبان آخرين، يُجدد رغبته فى العودة اليوم وتذكرت مارى دوزيه قائلةً: "الأطفال الجنود، بموجب القانون الدولي، ضحايا حرب"، مشيرة إلى أنها قدمت شكوى فى فرنسا فى ١٠ أبريل إلى قاضى التحقيق الأول فى باريس بتهمة الاحتجاز التعسفى والمعاملة اللاإنسانية والمهينة.
وبعد بلوغهم سن الرشد فى معسكرات أو سجون شمال شرق سوريا، "ينتقلون من خوف إلى خوف، ومن مركز إلى مركز، ثم إلى السجن"، حيث يُحتجز ٢٥ منهم فى غرفة واحدة لمدة ١٠ ساعات يوميًا، كما تصف المحامية.
وعرض الوفد على الصحافة مقاطع فيديو للشباب، ووجوههم تشرق وهم يقرأون رسائل من أحبائهم أو يستمعون إلى رسائل صوتية من محاميهم.
أعادت أوكرانيا مؤخرًا عددًا من مواطنيها وفى يوليو ٢٠٢٣، وحذر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعنى بتعزيز وحماية حقوق الإنسان فى سياق مكافحة الإرهاب من محنة هؤلاء المراهقين.
ونددت فيونوالا نى أولين بفصلهم الممنهج عن أمهاتهم فى المعسكرات، وما نتج عنه من أضرار لا يمكن إصلاحها، و"انتهاك للقانون الدولي".
وتؤكد المحامية مارى دوزيه أن "الوضع القانونى بسيط للغاية" وقد أدانت فرنسا من قبل اللجنة الدولية لحقوق الطفل، ولجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومحكمة باريس الإدارية، ومحكمة الاستئناف الإدارية، لذا أعتقد أن الوقت قد حان، فى دولة يحكمها القانون، لاحترام قرارات المحاكم.

يندد المحامى باستمرار رفض عمليات الإعادة إلى الوطن، بدافع الظروف المعقدة والتضاريس الخطرة للجنود فى حال تنفيذ عملية عسكرية.
هؤلاء هم الأطفال الذين كبروا ترفض فرنسا عمليات الإعادة، ومن البديهى أن الأطفال يصبحون مراهقين، والمراهقون يصبحون بالغين."
وقال ماثيو باجارد، رئيس مركز الخبرة السورى التابع لمنظمة "محامون بلا حدود" غير الحكومية فى فرنسا، عن العنف الجسدى أثناء الاحتجاز، و"المشاكل النفسية الخطيرة"، و"شبه استحالة الحصول على الرعاية الصحية".
"ما مسئولية طفل فى السادسة من عمره؟" يسأل المحامي، وهو يعرض قضية فتى يبلغ من العمر ١٦ عامًا، أُخذ قسرًا إلى سوريا فى السادسة من عمره، ثم فُصل عن والدته فى الرابعة عشرة التى ترفض العودة إلى وطنها لكنها وقّعت على استمارة موافقة على عودة ابنها.
بالإضافة إلى خمسة شبان بالغين، تُطالب ثلاث أمهات أيضًا "بإصرار" بإعادتهن إلى وطنهن، ويُؤكدن موافقتهن فى مقاطع فيديو سجّلها الوفد خلال زيارته، كما يؤكد مورينو.
الشباب والنساء جميعًا مطلوبون بموجب مذكرة توقيف دولية لا يُمكن تنفيذ أوامر التوقيف هذه إلا من قِبل دولة يوضح مورينو: "مع ذلك، فإن كردستان السورية، التى يقع مخيم روج تحت إدارتها، ليست دولة ذات حكم ذاتى معترف بها، ونتيجة لذلك، ليس لديها اتفاقية مع فرنسا".
ووفقًا لباجارد، فإن إقامتهم فى سوريا دليل على أن الظروف الأمنية الحالية لا تمنع "عمليات الترحيل التى تُنفّذها عدد كبير جدًا من الدول الأخرى"، بما فى ذلك ألمانيا وروسيا وهذا هو الحال منذ أن أطاحت السلطات الجديدة بالرئيس السورى بشار الأسد واستولت على السلطة فى ديسمبر.