يبدو من خلال الأخبار والصور القادمة من ساحات الحرب الجارية في الشرق الأوسط أن إيران استوعبت الضربة الإسرائيلية الأولى التي جاءتها على حين غرة، وانتقلت من الدفاع إلى الهجوم بصواريخ ذات قدرة تدميرية كبيرة، وهذه أول مرة يشاهد العالم صواريخ تنزل في قلب تل أبيب وتقتل مدنيين وعسكريين وتُخلّف مئات الجرحى في صفوف يهود جاء آباؤهم أو أجدادهم إلى أرض فلسطين وقادة المشروع الصهيوني وعدوهم بأرض آمنة تُنهي معاناة تشتيت اليهود في الأرض.
ترامب هذا الصباح يقول إن الحرب يجب أن تتوقف، فيما كان له رأي آخر قبل 72 ساعة، عندما وصف الإعتداء الإسرائيلي على إيران بأنه «عمل رائع»! هذا الموقف الأمريكي الأخير معناه: أن تطورات الحرب لا تسير لصالح إسرائيل، وأن نظرية الحرب الخاطفة التي اعتقد نتنياهو أنها ستشل القدرات الإيرانية وتجعل إحتمال ردها ضعيفًا من جهة، ومن جهة أخرى ستحرّض الشعب الإيراني ضد نظامه، لم تكن صحيحة إطلاقًا.
إيران مازالت قادرة على الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، وحكاية تحريض الشعب على نظامه بواسطة طائرات F35 التي تقصف الأحياء المدنية في الليل، حكاية سخيفة جدًا، ثم إن تصريحات ترامب تعني أيضًا أن أمريكا لا تريد الدخول إلى الحرب مباشرة، وإن كانت يدها موجودة في هذه الحرب من حيث التجسس، ومن حيث توفير معلومات وإحداثيات المواقع العسكرية والنووية الإيرانية عن طريق الأقمار الاصطناعية.
وفي ظل التوترات المزمنة في منطقة الشرق الأوسط شكل الإعتداء الإسرائيلي على إيران تحولاً خطيراً في ميزان القوى الإقليمية وترك آثاراً مباشرة وغير مباشرة على العالم العربي؛ سواء على الصعيدين الإقتصادي أو السياسي؛ هذا الإعتداء الذي يمكن اعتباره تصعيدًا غير مسبوق دفع المنطقة إلى حافة صراع واسع قد يمتد ليشمل أطرافًا إقليمية ودولية ويعيد تشكيل التحالفات والمصالح.
أول التأثيرات السياسية تمثلت في تصاعد حدة الاستقطاب الإقليمي، فالدول العربية وجدت نفسها أمام موقف معقد خاصة تلك التي تقيم علاقات دبلوماسية أو أمنية مع إسرائيل من جهة، وتخشى من تداعيات انفجار الصراع مع إيران من جهة أخرى، دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات سارعت إلى الدعوة للتهدئة رغم ما بين هذه الدول وطهران من خلافات تاريخية عميقة، وذلك حرصًا على تجنب دخولها في مواجهة غير محسوبة.
أما الدول التي تملك علاقات قوية مع إيران، فقد أعلنت تضامنها السياسي مع طهران كالصين وباكستان وروسيا ومؤخرًا أفغانستان، مما أعاد إحياء الانقسام العربي بين محور الممانعة والمحور المعتدل، الانقسام قد يضعف وحدة الموقف العربي في الملفات الأخرى مثل القضية الفلسطينية أو إدارة العلاقة مع القوى الدولية الكبرى.
وعلى الرغم من ذلك خرج بالأمس بيان مشترك لـ20 دولة عربية وإسلامية يدين هجمات إسرائيل ضد إيران ويعتبرها خرقًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، البيان يؤكد على ضرورة وقف الأعمال العدائية الإسرائيلية ضد إيران والعمل على خفض التوتر وصولًا إلى وقف لإطلاق النار، وأكد على أن السبيل الوحيد لحل الأزمات بالمنطقة يتمثل في الدبلوماسية والحوار والإلتزام بمبادئ حسن الجوار وفقًا للقانون الدولي.
كما أن الشعوب العربية تفاعلت بحدة مع الإعتداء، حيث خرجت مظاهرات منددة بالتصعيد الإسرائيلي خاصة في العراق واليمن والأردن، وأصبح الرأي العام العربي أكثر حساسية تجاه أي تقارب رسمي مع إسرائيل مما قد يؤثر سلبًا على اتفاقات التطبيع الحديثة مثل إتفاقيات أبراهام.
من الناحية الإقتصادية، كان للعدوان الإسرائيلي تداعيات فورية على أسعار النفط والغاز، حيث إرتفعت الأسعار بشكل حاد نتيجة التخوف من تعطل الإمدادات في حال توسع رقعة الصراع ليشمل مضيق «هرمز» أحد أهم ممرات الطاقة في العالم، هذا الإرتفاع زاد من أعباء الدول العربية المستوردة للطاقة مثل مصر والمغرب وتونس في وقت تعاني فيه من ضغوط إقتصادية خانقة بسبب الديون والتضخم.
أما دول الخليج المصدرة للطاقة، فرغم استفادتها من إرتفاع الأسعار على المدى القصير، إلا أن التوتر الأمني القريب من أراضيها يضع استثماراتها ومشاريعها الكبرى في حالة ترقب، وقد يبطئ من وتيرة الإصلاحات الإقتصادية طويلة المدى مثل رؤية ٢٠٣٠ السعودية.
الأسواق المالية في الدول العربية أيضاً شهدت تقلبات حادة مع إنسحاب رؤوس الأموال الأجنبية بشكل جزئي بحثًا عن ملاذات أكثر استقرارًا، وفي المقابل ارتفع الطلب على الذهب والعملات الأجنبية كأدوات تحوط، ما أدى إلى ضغط إضافي على العملات المحلية في بعض الدول.
الإعتداء الإسرائيلي على إيران يعكس تصعيدًا مقلقًا قد لا تقف آثاره عند حدود الدولتين، فالعالم العربي بحكم الجغرافيا والتشابكات السياسية والإقتصادية سيكون دائمًا في قلب أي صراع إقليمي، المطلوب اليوم من القادة العرب موقف موحد قائم على التهدئة والعمل مع القوى الدولية لضمان عدم انزلاق المنطقة نحو مواجهة مفتوحة قد تكون نتائجها كارثية على الجميع.