في أزقة حي السيدة زينب العتيقة، حيث تتقاطع الحكايات مع الوجع، ويحمل كل حجر فيها قصة، روى أحد الشهود الذين شاركوا بجهودهم في إنقاذ ضحايا انهيار العقار، قصة لن ينساها.
"كنت فوق... قبلها بساعات"
يقول الرجل، وهو يعمل "شيّالًا" (نقّال عفش)، بنبرة اختلط فيها الذهول بالحزن: "كنت عندهم، فوق، في الدور الخامس... آخر دور في العقار المنهار. ست كبيرة طلبتني علشان أنقل لها عفش البيت لمكان تاني. قعدنا نتكلم شوية، واتفقنا على الأجرة. قولت لها نبدأ من دلوقتي، علشان أخلّص قبل ما الليل يتأخر. لكنها رفضت وقالتلي: (النهار له عينين... ننقل بكرة الصبح)."
قرار بسيط... ونهاية مفجعة
لم يتخيل الرجل أن هذا القرار البسيط، المؤجل لساعات، سيكون آخر ما نطق به القدر في حياة تلك السيدة، قائلا: "مشيت وأنا حاسس إن الست طيبة ومرتاحة. ولا خطر في بالي إن البيت مش هيستنى للصبح..."
ففي ساعات قليلة، وفي وقت متأخر من الليل دوّى صوت انهيار العقار. هرع الناس، وكنت أولهم – كما قال – "جريت زي المجنون... كنت حاسس إني سايب ورايا روح مستنية حد ينقذها".
"الدار الأخرى بدل الجديدة"
لم يكن هناك متسع من الوقت، ولا مجال لعودة الأشياء إلى الوراء. تحت أنقاض ذلك المنزل، فارقت السيدة الحياة، ومعها ثلاثة من أبنائها، كانوا يتهيأون لحياة جديدة في منزل جديد.
لكن الأقدار رسمت خط النهاية من نفس المكان الذي كان من المفترض أن يبدأوا فيه فصلًا جديدًا.
ألم لا يُنسى
يختم الشيال قصته والدموع في عينه: "أنا شوفت الموت وهو بيعدي من قدامي. وكل ما أفتكر كلامها عن النهار وعينيه... أحس إن دي كانت نبوءة. بس العينين ما شافوش النهار، شافوا التراب والركام. يا رب يكونوا في مكان أحسن."
كانت هذه السيدة تستعد للانتقال من بيتها إلى منزل جديد، تحولت إلى قصة وداع أبدي. لحظة إنسانية تختصر هشاشة الحياة، وسرعة تقلب الأقدار، وتُخلّد في وجدان كل من سمعها أو عاش تفاصيلها.