تحل اليوم الذكرى السابعة والعشرون لرحيل أحد أبرز علماء الأمة في العصر الحديث، العلّامة الجليل الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي لا تزال كلماته تنبض بالحياة في قلوب الملايين، بفضل أسلوبه السلس والعميق في تفسير كتاب الله، وبلاغته في إيصال معانيه إلى العامة والخاصة على حد سواء.
مولد ونشأة الإمام
وُلد الشيخ محمد متولي الشعراوي في 15 أبريل عام 1911م، في قرية دقادوس التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، ونشأ في بيئة ريفية مصرية أصيلة، وتميز منذ صغره بنبوغ لافت، حيث أتم حفظ القرآن الكريم وهو في الحادية عشرة من عمره.
حصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية عام 1923م، ثم التحق بالمعهد الثانوي الأزهري، حيث برزت شخصيته القيادية، فكان رئيسًا لاتحاد الطلبة وجمعية الأدباء بمدينة الزقازيق.

بعد اجتيازه للثانوية الأزهرية، اختار الشعراوي أن يتخصص في اللغة العربية، ليصقل ملكته البيانية والفكرية التي ميزته لاحقًا كأحد أنبل المفسرين والدعاة.
مسيرته العلمية والمناصب التي تقلدها
تقلد الشيخ الشعراوي عددًا من المناصب الدينية والإدارية الرفيعة، التي عكست مكانته العلمية والروحية، ومن أبرزها:
- مدير إدارة مكتب شيخ الأزهر الأسبق حسن مأمون عام 1964م.
- رئيس بعثة الأزهر في الجزائر عام 1966م، حيث ساهم في نشر الوعي الديني واللغوي بعد الاستقلال.
- وزير الأوقاف وشؤون الأزهر في مصر عام 1976م، حيث جمع بين العمل التنفيذي والدعوي.
- عضو مجمع البحوث الإسلامية منذ عام 1980م، وكان له إسهامات فكرية رصينة في مختلف القضايا الإسلامية المعاصرة.
مؤلفاته العلمية والدعوية
ترك الإمام الشعراوي إرثًا فكريًّا كبيرًا، تمثل في مؤلفات علمية ودعوية لا تزال مرجعًا للباحثين والقراء، منها:
- معجزة القرآن
- الأدلة المادية على وجود الله
- أنت تسأل والإسلام يجيب
- الإسلام والفكر المعاصر
- قضايا العصر
- أسئلة حرجة وأجوبة صريحة

وقد جمع تفسيره للقرآن الكريم بين العلم والدراية والروحانية الفذة، فكان حديثه عن الآيات أقرب إلى مكاشفة روحية عميقة تلامس القلب والعقل معًا.
موقفه المشهود بشأن مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام وعلاقته بالملك سعود بن عبدالعزيز
من أبرز المواقف التي تُذكر للشيخ الشعراوي، موقفه النبيل والحاسم حين طلب من الملك سعود بن عبدالعزيز عدم نقل مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام خلال مشروع توسعة المطاف حول الكعبة المشرفة، وقد دعم الشيخ موقفه بأدلة شرعية واضحة، أرسلها في برقية إلى الملك أثناء إقامته في المملكة. فكان لهذا الرأي أثر بالغ، حيث استجاب الملك لرؤية الإمام، وأبقى المقام في مكانه، بل واستشار الشيخ في بعض شؤون توسعة الحرم المكي، مما يعكس احترامًا كبيرًا لرؤيته الدينية.
وفاته.. رحيل الجسد وبقاء الأثر
رحل الشيخ الشعراوي عن دنيانا في 22 صفر 1419هـ الموافق 17 يونيو 1998م، عن عمر ناهز السابعة والثمانين عامًا، بعد رحلة حافلة بالعطاء العلمي والروحي.