في ظل التصعيد المستمر بين إيران وإسرائيل، تتجه منطقة الشرق الأوسط نحو سيناريوهات بالغة التعقيد تتجاوز حدود الحروب الإقليمية التقليدية، لتلامس خطوط التماس مع قوى دولية كبرى، في مؤشر واضح لاحتمال اندلاع مواجهة عالمية، سواء كانت محدودة النطاق أو مفتوحة الأبعاد.
فكل تحرك عسكري، أو حتى تصريح سياسي، لم يعد يُقرأ فقط في سياق التوتر الثنائي بين طهران وتل أبيب، بل بات يُفهم ضمن إطار أوسع يتعلق بالتهديدات الوجودية للطرفين، والتوازنات الهشة التي تحكم المشهد الإقليمي. وما يزيد من خطورة هذا الواقع أن الخطاب الغربي بدأ يلمّح، بل يصرّح أحيانًا، بأن المنطقة باتت تُعامل كمنطقة حرب واشتباك دائم لا كمجال للاستقرار، وهو ما يعكس تحولًا جذريًا في النظرة الاستراتيجية الدولية للشرق الأوسط من كونه ساحة نفوذ وصراع مصالح إلى كونه ساحة صدام مباشر قد تشتعل في أي لحظة.
أعلنت رئاسة الأركان العامة للجيش الكويتي في بيان رسمي أن “الصواريخ التي رُصدت في سماء البلاد كانت في نطاقات جوية مرتفعة جدًا وخارج المجال الجوي الكويتي، ولا تشكل أي تهديد على الأراضي الكويتية”. ورغم الطابع التطميني لهذا التصريح، إلا أنه لا يخلو من أبعاد أمنية وسياسية دقيقة، إذ إن تحليق صواريخ باليستية فوق سماء الكويت لا يمكن اعتباره مجرد حادث عرضي، بل يمكن قراءته كرسالة غير مباشرة موجهة للولايات المتحدة، الحليف الأوثق لإسرائيل، بأن أي تدخل أميركي في الحرب ضد إيران قد يدفع طهران إلى توسيع دائرة الاشتباك لتشمل القواعد الأميركية في الخليج، مما يُدخل دول الخليج، وعلى رأسها الكويت، في نطاق التهديد المحتمل.
وفي حال قررت الولايات المتحدة أو بريطانيا تقديم دعم عسكري مباشر لإسرائيل، فإن أحد السيناريوهات المرجحة يتمثل في توجيه إيران ضربات صاروخية أو من خلال وكلائها إلى القواعد العسكرية الأميركية والبريطانية المنتشرة في المنطقة، خصوصًا في الخليج والعراق وسوريا، ما يُدخل الصراع في نطاق إقليمي أوسع.
الهدف الإيراني من هذا التصعيد قد يكون متعدد الأبعاد، إذ تسعى طهران من جهة إلى ردع الغرب من خلال تهديد مصالحه الحيوية بشكل مباشر لوقف دعمه المتواصل لإسرائيل، ومن جهة أخرى تعمل على نقل ساحة المواجهة من الأراضي الإيرانية إلى مواقع استراتيجية بعيدة قد تمتد لآلاف الكيلومترات، بما يقلل من كلفة المواجهة على الداخل الإيراني، كما تهدف أيضًا إلى إرباك حسابات حلف الناتو ودفعه إلى التردد في اتخاذ موقف حاسم تجاه الأزمة، خاصة في ظل انشغاله بتعقيدات الحرب في أوكرانيا وتشظي أولوياته الاستراتيجية على أكثر من جبهة.
انخراط الولايات المتحدة عسكريًا في الصراع لدعم إسرائيل قد لا يُقابل بصمت من قبل خصومها الدوليين، وعلى رأسهم روسيا والصين، وهما حليفان استراتيجيان لإيران في عدد من الملفات. ورغم أن تدخلهما المباشر في الحرب غير مرجّح حاليًا، إلا أن تقديم دعم لوجستي أو استخباراتي أو تقني لطهران من شأنه أن يحوّل الحرب إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين المعسكرين الشرقي والغربي.
أما أخطر السيناريوهات المطروحة فتتمثل في اندلاع حرب متعددة الجبهات، تنفتح فيها الساحة اللبنانية عبر حزب الله، وتشتعل غزة من خلال الفصائل الفلسطينية، بينما تتحرك الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا نحو المواجهة، مما يضع إسرائيل أمام حالة استنزاف إقليمي واسع يصعب التحكم في وتيرته أو حصر نطاقه. وإلى جانب ذلك، تبرز احتمالية متزايدة لاندلاع هجمات سيبرانية متبادلة تستهدف البنية التحتية الحيوية، من شبكات الكهرباء إلى الأنظمة المالية، وهو ما يهدد بشلل داخلي واسع النطاق على الجانبين. كما لا يمكن استبعاد سيناريو تعطيل الملاحة في مضيق هرمز، وهو احتمال سبق التلميح إليه، لما له من تأثيرات كارثية محتملة على الاقتصاد العالمي نتيجة ارتفاع أسعار النفط وتعطل سلاسل الإمداد الحيوية.
وما قد يبدو في بدايته كضربة محدودة قد يتحول بسرعة إلى زلزال إقليمي شامل، فالمواجهة قد تبدأ بهجوم جوي دقيق على منشآت نووية أو عسكرية، وقد تتخذ طابعًا سيبرانيًا واسعًا، غير أن خطر التصعيد يظل مرتفعًا بفعل حساسية المواقف وتشابك الخطوط الحمراء لدى مختلف الأطراف. ومع تداخل اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، تصبح القدرة على ضبط وتيرة التصعيد شبه مستحيلة، ما يفتح الباب أمام انفجار غير محسوب العواقب.
وعلى المدى الطويل، فإن تداعيات هذا الصراع ستكون عميقة ومتعددة الأبعاد. فعلى الصعيد السياسي، قد نشهد إعادة رسم لخريطة التحالفات الإقليمية وصعود قوى جديدة على أنقاض قوى تقليدية. أما اقتصاديًا، فإن الأسواق قد تواجه انهيارات حادة مصحوبة بأزمة طاقة وغذاء، خاصة في أوروبا وآسيا.
إن الصراع بين إيران وإسرائيل لم يعد مجرد قضية أمنية أو نزاع إقليمي محدود، بل تحوّل إلى اختبار حقيقي لاستقرار النظام الدولي برمّته. وأي قرار طائش أو تصعيد غير محسوب قد يدفع المنطقة بأسرها إلى سيناريوهات كارثية تهدد السلم العالمي وتعيد تشكيل خارطة النفوذ والتحالفات لعقود قادمة. لذلك، ورغم ما يبدو من ضعف أثرها، تبقى الحكمة والدبلوماسية الخيار الأوحد لتجنب الانفجار الكبير.