تحقير العلم في الوعي هو أولى خطوات الهزيمة، لقد بدأت الحرب عندما اصطاد العدو العلماء. وإذا كنت تبحث عن المنتصر، فلا تفتح المندل، ولا تقرأ الفنجان، ولا تتابع تحليلات "الخبراء الاستراتيجيين" الذين تخرجوا من مطابخ منازلهم، يفْتون بلا معلومات ولا معرفة.
فقط تذكّر إجابة نابليون، ففي إحدى المعارك سأله جندي فرنسي:
– "هل الله معنا نحن الكاثوليك، أم مع الإنجليز البروتستانت؟"
فأجابه نابليون: "الله مع أصحاب المدافع الكبيرة."
ويمكننا اليوم تحريف الإجابة أو إعادتها إلى مصدرها، فنقول:
الله مع من يملك أكبر عدد من العلماء.
الله مع من يُقدّر العلم والمعرفة ويحترمهما.
التفكير في تقدير العلماء أعادني إلى صورتهم الهزيلة المنفّرة كما قدمتها السينما المصرية مرارًا.
يمكن أن ترى ذلك بوضوح في فيلم "عاشور قلب الأسد"(إنتاج 1961، إخراج حسين فوزي، بطولة عبد السلام النابلسي). يدور الفيلم حول عاشور – النابلسي – الذي يدرس في المعهد ويحاول لفت نظر زميلته، لكنها لا تلتفت إليه بسبب ضعفه الجسدي. وبالصدفة، يعيش عاشور بجوار عالم اخترع حقنة تمنحه القوة، وبعد أخذها، يتحول إلى نجم رياضي في المعهد.
لكن من هو هذا "العالِم"؟ شخص – ومن الآخر – "أهبل"، قام بدوره كومبارس لا يذكر أحد اسمه. مصدر القوة الجبارة يظهر كمثير للشفقة، محتقَر، ومُرذَل... وهذه للأسف ليست مجرد كوميديا، بل واقع مرير.
تكررت الفكرة عام 1977 مع فيلم "أونكل زيزو حبيبي"(إخراج نيازي مصطفى، بطولة محمد صبحي)، حيث يؤدي صبحي تقريبًا نفس دور النابلسي، ويتلقى "حقنة أعشاب ذرية" من عمّه – إبراهيم سعفان – الذي يُنادى بـ"مبلولي" ويُسخر منه طَوال الفيلم، رغم فكرته القوية.
السخرية من العلماء تواصلت مع أفلام فؤاد المهندس مثل "شنبو في المصيدة"حيث أدى يوسف وهبي دور العالم المجنون الذي يجري تجاربه على الحيوانات، وفيلم "اقتلني من فضلك" حيث لعب عبد المنعم مدبولي دور "أينشتاين" الذي يبدّل ويغيّر في الحيوانات، وفؤاد المهندس نفسه في "المليونير المزيف" كمخترع سيارة "نفيسة 606".
لاحظ أن كل هذه الشخصيات تنتمي إلى أفلام الهزل والكوميديا.
أما حين حاول فيلم "جري الوحوش" (إنتاج 1987، إخراج علي عبد الخالق، بطولة نور الشريف، محمود عبد العزيز، حسين فهمي، حسين الشربيني) مناقشة العلم بجدية، فقد وضع "العلم" ممثلًا في حسين فهمي – بثقل دمه – في مواجهة "الدين" ممثلًا في حسين الشربيني. تفشل تجربة نقل جزء من المخ، لينتصر الدين على العلم في واحدة من أكثر كوارث السينما، بدعم مباشر للأصولية المتغلغلة في تربة الهلاك المتطرفة.
هذا، بالإضافة إلى مئات الأفلام التي تروّج للجن والدجل وتشيع الشعوذة.
ثم تأتي الحرب القريبة منا، لنرى أن العلماء في معاملهم هم القوة الأعظم التي تحدد – من البداية – من هو المنتصر.
وندرك أننا درّسنا "عنترة بن شداد" أكثر من ثلاثين عامًا، نحشو بها عقول الأجيال عن بطولاته في رعي الغنم، بينما تجاهلنا قصة الدكتور علي مصطفى مشرفة، الملقب بـ"أينشتاين العرب". تجاهله كان خطوة كبرى في طريق هزيمتنا النفسية.
أفيه قبل الوداع:
الخطأ يبدأ من خلط المسميات... إطلاق لقب "علماء" على رجال الدين، و"عالِمات" على الراقصات!
وفي مسرحية "العالمة باشا"، يطلب زعيم الدولة من حكومته استدعاء "العالِمة سوسكا" للمساعدة في حل مشاكل الدولة، فيحدث الخطأ، ويُحضِرون "الراقصة سوسكا" – سهير البابلي.