أصدر "بيت الحكمة للثقافة" كتابًا جديدًا للدكتور أحمد السعيد، أحد أبرز المتخصصين في الشأن الصيني في العالم العربي، بعنوان "الصين من الداخل: ثقافة العقل السياسي الصيني – من كونفوشيوس إلى شي جين بينغ".
الكتاب يقدم مقاربة ثقافية فريدة لفهم السياسة الصينية، بعيدة عن التناول الغربي المعتاد الذي يختزل التجربة الصينية في مفاهيم الديمقراطية أو الاقتصاد أو الحزب الواحد.
بل يُبحر بالمقابل في عمق العقل السياسي الصيني، من خلال فلسفاته القديمة، ومفاهيمه الرمزية، وتاريخه المتجذر.
قراءة من داخل التجربة الصينية
يتميز الكتاب بأنه لا يقرأ الصين من الخارج، بل من داخل منظومتها الفكرية. فيعيد النظر في مفاهيم مثل التناغم، السيادة، الطاعة، والانضباط، وكيف تحولت من أفكار فلسفية إلى أدوات عملية لإدارة الحكم وصياغة السياسات الداخلية والخارجية.

محتوى متكامل في أربعة أبواب
يضم الكتاب أربعة أبواب تشمل 12 فصلًا، تبدأ من الجذور الفلسفية للهوية السياسية، مرورًا بتحولات الثورة في القرن العشرين، وانتهاءً بمرحلة الرئيس شي جين بينغ، حيث تستعيد الصين ثقافتها كأداة للشرعية والنفوذ الدولي عبر مفاهيم مثل "الحلم الصيني" و"مجتمع المصير المشترك".
الباب الأول: الجذور الفلسفية والثقافية للهوية السياسية الصينية
يؤسس هذا القسم لفهم المفهوم الصيني للثقافة، الذي يختلف بعمق عن المفهوم الغربي.
تُقدَّم الثقافة هنا بوصفها نظامًا معياريًا وأخلاقيًا يحكم السلوك السياسي، وليست مجرد نتاج رمزي أو إبداعي.
يتتبع الكتاب تطور العلاقة بين الكونفوشيوسية والدولة، وتأثير البوذية والطاوية على بنية الحكم، ويعرض كيف تحوّلت مفاهيم مثل الطاعة، والسيادة، والانضباط الجماعي إلى أدوات لتشكيل المواطنة والإجماع السياسي.
الباب الثاني: التناغم بوصفه جوهرًا للفكر السياسي التقليدي
يناقش هذا الباب أحد أبرز المفاهيم الصينية: “التناغم” .
لا يُطرح كمجرد دعوة للسلام الاجتماعي، بل كإستراتيجية لإدارة التعدد والسيطرة الرمزية.
يتتبع المؤلف كيف تطوّر التناغم من مبدأ كوني في “كتاب التغيرات”، إلى إطار فلسفي لإعادة ترتيب السلطة، وتوزيع الأدوار بين الحاكم والمحكوم، ثم إلى أداة دبلوماسية لتنظيم علاقات الصين الخارجية.
كما يكشف الكتاب كيف تم توظيف هذا المفهوم لضمان الشرعية الأخلاقية للنظام، وتحقيق “الاستقرار المتناغم” الذي يُعدّ نقيضًا للفردانية والاحتجاج.
الباب الثالث: من الثورة إلى الواقعية – التحولات الثقافية في القرن العشرين
يتناول هذا الباب مرحلة تأسيس الصين الجديدة وتحولات الفكر السياسي من ماو تسي دونغ إلى دنغ شياو بينغ.
يركّز على الطريقة التي أُعيدت بها قراءة المفاهيم الثقافية القديمة في سياق الثورة، وكيف احتفظت الدولة الصينية، رغم تبنيها الماركسية، بعناصر خطابية مستمدة من التراث الكونفوشيوسي.
يحلل المؤلف الخطابات الرسمية التي جمعت بين “المساواة الشعبية” و”مركزية الدولة”، ويستعرض كيف أعادت الدولة الصينية تأويل رموزها الثقافية لتبرير التغيير الجذري، ومن ثم لتسويغ الانفتاح البراغماتي في عهد دنغ.
هذا الباب لا يعالج التاريخ فقط، بل يكشف كيف يُعاد إنتاج الثقافة في كل مرحلة كمورد سياسي مشروع.
الباب الرابع: الصين في عهد شي جين بينغ – نحو خطاب عالمي برؤية ثقافية
يركز هذا الباب على المرحلة المعاصرة بوصفها لحظة استعادة واعية ومؤسسية للثقافة كأداة نفوذ وشرعية.
يفصّل الكتاب مفاهيم “الحلم الصيني”، و”طريق الحرير الثقافي”، و”مجتمع المصير المشترك للبشرية”، ويُبيّن كيف توظف الصين هذه المفاهيم في بناء خطاب دولي بديل للهيمنة الغربية.
عن المؤلف
الدكتور أحمد السعيد هو رئيس ومؤسس مؤسسة "بيت الحكمة"، حاصل على عدة جوائز صينية مرموقة، منها جائزة الدولة للإسهام المتميز في مجال الكتاب، وجائزة الصداقة من الأكاديمية الصينية لتاريخ الحزب. يشغل حاليًا منصب أستاذ زائر بجامعة الاتصالات الصينية، وله خبرة تمتد لأكثر من عقدين في الترجمة والتحليل الثقافي الصيني-العربي.
مرجع عربي نادر في الفكر السياسي الصيني
يمثل هذا الإصدار إضافة نوعية في مجال دراسات الصين باللغة العربية، ويخاطب جمهورًا متنوعًا من الباحثين والمهتمين وصناع القرار.
وهو يملأ فراغًا واضحًا في المكتبة العربية، من خلال تحليل متماسك ومدعوم بالمصادر الأصلية، يُظهر كيف ترى الصين نفسها وتفكر في حاضرها ومستقبلها.