الأحد 15/يونيو/2025 - 09:54 م 6/15/2025 9:54:10 PM
في خضم التوترات السياسية والأمنية المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، تتوالى الدعوات من شخصيات بارزة لتوحيد الصفوف الإسلامية، لمواجهة التحديات التي تهدد أمن الدول الإسلامية.
وقد جاءت تصريحات وزير الدفاع الباكستاني، لتسلط الضوء على ضرورة اتحاد العالم الإسلامي في مواجهة العدوان الإسرائيلي على إيران، محذرًا من أن الصمت والتجاهل من قبل الدول الإسلامية، سيسهم في تعزيز هذا التوجه الاستعماري، مما قد يجعل الدور يأتي على الجميع، يومًا ما.
تتجلى أهمية هذا التحذير، في أن الأحداث الجارية لا تمس بلدًا واحدًا فحسب، بل إنها تمس الأمة الإسلامية جمعاء، فتاريخ الصراعات في الشرق الأوسط، يشير إلى أن ضعف أي دولة إسلامية ينعكس سلبًا على باقي الدول، لذا، يتعين على الدول الإسلامية، أن تدرك أن التحديات التي تواجهها هي تحديات مشتركة، وليست وليدة اللحظة أو محصورة في إقليم معين، بل هي جزء من مخطط منهجي، بدأ بالعراق الذي شهد تفكيك بنيته التحتية واستنزاف قدراته، تلاه سوريا التي واجهت صراعًا دمويًا يعود إلى سنوات، وصولًا إلى استهداف حزب الله في لبنان، ثم فلسطين واليمن وفي هذا السياق، تلعب إيران دورًا محوريًا، فالقضاء عليها يعني إسكات أحد أبرز الأصوات المنتقدة للسياسات الإسرائيلية.
يكشف لنا التاريخ بوضوح كيف أن الانقسام بين الأمم والجماعات يمكن أن يؤدي إلى ضعف القدرة على مواجهة التحديات المحدقة، في حين أن الاتحاد يمكن أن يولد قوة جماعية قادرة على إحداث التغيير المنشود.
لقد عاش المسلمون في عصور مختلفة، تجارب تاريخية غنية، ومن أبرز تلك التجارب ما حدث في الأندلس، بعد سقوط الحكم الأموي في الأندلس، دخلت البلاد في فترة عصيبة عُرفت بعصر ملوك الطوائف، وكانت تلك الفترة مُعبرة عن الانقسام والتشرذم، إذ تجزأت البلاد إلى عدد كبير من الدويلات المستقلة، كل منها يرأسها حاكم يعمل على تحصين ملكه دون النظر إلى إخوانه، فقد كان كل حاكم يعتبر غيره منافسًا له، وبالتالي تدهورت المصلحة العامة وتفككت وحدة المسلمين.
عصر ملوك الطوائف يمثل درسًا تاريخيًا يجب أن نتأمل فيه بعمق، فرغم ما شهدته الأندلس في تلك الفترة من تقدم ثقافي وعلمي، إلا أن الانقسام في صفوف المسلمين كان له آثار مدمرة، فقد تهاوت هذه الدويلات بسهولة أمام الغزوات الخارجية، ولم يتمكن أي منها من مواجهة التحديات بمفردها، الأعداء استغلوا الوضع، واستطاعوا أن يحققوا مكاسب كبيرة على حساب تشتت المسلمين.
إن من أهم عوامل قوة الأمم، هو الاتحاد، بالاتحاد تتمكن الأمة من تحقيق مجدها وبلوغ أهدافها، بالاتحاد، تصبح الأمة مرهوبة الجانب وعزيزة السلطان، قادرة على الدفاع عن مصالحها وحقوقها، يُظهر التاريخ الإسلامي كيف أن الفتوحات الجليلة التي حققها المسلمون كانت نتيجة لوحدتهم وتضامنهم، وعلى النقيض، فإن التفرقة والانقسام بين المسلمين لا يؤدي إلا إلى الهزائم والخيبات، كما أن العالم الإسلامي، بتنوع ثقافاته وأعراقه، يصبح عرضة للاستهداف عندما ينقسم ويبتعد عن روح التعاون والأخوة.
إن الدول الإسلامية، بحاجة إلى رؤية موحدة وإستراتيجيات متكاملة في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية والعسكرية، فالاتحاد ليس مجرد شعار يُرفع، بل هو ضرورة ملحة لتأمين المصالح العليا للدول الإسلامية، فالتنسيق بين الدول في هذه المجالات يعزز من قدرتها على مواجهة التحديات التي تطرأ عليها، مما يزيد من فرص النجاة من الأخطار المحدقة.
كما أن تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية لا يقتصر على المجال العسكري فقط؛ بل يشمل أيضًا التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فتعزيز الروابط الاقتصادية بين الدول يمكن أن يسهم في تخفيف الأزمات الاقتصادية التي قد تكون عرضة لها، وكذلك يمكن للتعاون في مجال التعليم والثقافة أن يعمل على تعزيز الهوية الإسلامية لدى الأجيال القادمة.