في لحظة كان من المنتظر أن تحتفل بها مصر بافتتاح واحد من أعظم مشاريعها الثقافية، جاء قرار تأجيل الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير (GEM) كخطوة وصفها كثيرون بـ"الحكيمة" في ظل الأوضاع الإقليمية المتوترة، ورغم اكتمال البنية التحتية والتجهيزات، فضلت الدولة المصرية أن تنتظر اللحظة الأنسب سياسيا ودبلوماسيا، لتجعل المشروع يخرج في صورة تليق بمكانته العالمية.
GEM.. أكثر من مجرد متحف
يقع المتحف المصري الكبير عند سفح الأهرامات، في قلب منطقة تخطط لها الدولة لتكون مركزا سياحيا متكاملا، يشمل مطار سفنكس، وشبكة مواصلات حديثة، وفنادق فاخرة، ومجمعات تسوق، والتي تهدف لتقديم تجربة متكاملة للسائح من لحظة وصوله، دون الحاجة للانتقال لمناطق متفرقة.
نقلة اقتصادية وسياحية واعدة
صمم المتحف ليستوعب حتى 8 ملايين زائر سنويا، مما يعني زيادة واضحة في عدد الليالي السياحية، وبالتالي ارتفاع الإيرادات السياحية، في وقت تمثل فيه السياحة نحو 11–13٪ من الناتج المحلي.
في عام 2024 وحده، زار مصر 15.7 مليون سائح، وحققت السياحة 14.1 مليار دولار، رغم التوترات الجيوسياسية.
كنز ثقافي وعلمي عالمي
المتحف يضم أكثر من 100،000 قطعة أثرية، أبرزها مجموعة توت عنخ آمون الكاملة، وسفينة خوفو الشمسية، ويمتد على مساحة 81،000 متر مربع.
كما يحتوي على مركز ترميم عالمي، وقاعات مؤتمرات، ومتحف أطفال، ومعارض تعليمية، مما يجعله مركزا حضاريا وتعليميا دولياـ وتخطط الدولة لتقديم تجربة الزائر عبر بطاقة موحدة وخدمات متعددة اللغات تقلل من الازدحام وتحسّن الخدمة.

ما سر تأجيل افتتاج المتحف المصري الكبير؟
يوضح الدكتور حسام هزاع، عضو اتحاد الغرف السياحية، لـ «الدستور»، أن التأجيل قرار صائب جدا في ظل ما نعيشه من توترات، حيث إن المنطقة مشتعلة بالحروب، وهناك دول مغلقة أجواؤها الجوية بالكامل، معقبا: فكيف سنستقبل رؤساء وسفراء ومنظمي سياحة دوليين في مناخ كهذا؟ الناس الآن تتابع نشرات الأخبار وليس الفعاليات السياحية.
وأكد أن مصر ستجني فوائد أكبر لو تم الافتتاح الرسمي خلال الربع الأخير من 2025، بعد استقرار الأوضاع وقبل بداية الموسم السياحي الشتوي في أكتوبر، مما يمنح المتحف فرصة أكبر لسرعة تدفق السياحة الثقافية.
التشغيل الجزئي مستمر
ويقول هزاع، إنه رغم تأجيل الافتتاح الرسمي، فإن التشغيل الجزئي نجح في جذب سياح من أمريكا وأوروبا، متابعا: شركتنا نظمت زيارات في مارس وأبريل الماضيين، ودخلوا المتحف، واستمتعوا بالمتحف قبل حتى التشغيل الجزئي الرسمي في أكتوبر الماضي.
وأشار إلى أن التسويق للمتحف لم يتوقف لحظة، ويتم عرضه في جميع المعارض السياحية الكبرى في دبي، وبرلين، ومدريد، ولندن ضمن البرامج السياحية الرسمية.

خبير سياحي: الحضور العالمي يحتاج ظروفا مناسبة
من جانبه، يرى محمد نبيل الخبير السياحي، أن التأجيل مرتبط بالضرورة بمدى جاهزية العالم لحضور احتفال عالمي بهذا الحجم، قائلا: تم التسويق للمتحف كأكبر وأحدث متحف في العالم، وحضوره يستحق حفل افتتاح يبهر العالم مثل موكب المومياوات، والتأجيل الآن يضمن لنا حضورا إعلاميا ودبلوماسيا أفضل لاحقا.
وأضاف الخبير السياحي، أن هناك طلبا هائلا من الأسواق السياحية الكبرى مثل أوروبا وأمريكا وشرق آسيا، لكن كثيرا من الضيوف ينتظرون افتتاحا رسميا كاملا.
هل يعوض التشغيل الجزئي التأجيل؟
بحسب نبيل، فإن التشغيل التجريبي سمح بإدراج المتحف في البرامج السياحية، ويعوض التأجيل بشكل كبير، برغم أن بعض القاعات ما زالت مغلقة، مشيرا إلى أن المتحف "مبهر بما يكفي" لتعويض هذا التأخير، ومجرد زيارته في حالته الحالية يترك انطباعا قويا لدى السائح.
الجميع يترقب افتتاح المتحف المصري الكبير، وفي ظل التسويق الدولي القوي، والاستعدادات اللوجستية المتواصلة، يبقى المتحف المصري الكبير رهانا رابحا على المدى الطويل، وافتتاحه في الوقت الأنسب قد لا يكون مجرد مناسبة احتفالية، بل لحظة تاريخية تؤكد أن مصر لا تقدم آثارها فقط، بل تقدم تجربتها الحضارية المتكاملة للعالم.