في يوم سيسجل بأحرف من ذهب، تفتح مصر صفحة جديدة من تاريخها العريق قريبًا مع الافتتاح الرسمي الكامل لـ المتحف المصري الكبير، أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، يقع على بُعد خطوات من أهرامات الجيزة، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، بما في ذلك الكنوز الكاملة للفرعون الذهبي توت عنخ آمون.
المتحف المصري الكبير حلم تحول إلى صرح عالمي
بعد أكثر من عقدين من التخطيط والعمل، يتحول مشروع المتحف المصري الكبير إلى حقيقة ملموسة، حاملًا طموحات المصريين في الحفاظ على تراثهم، وعرضه بأحدث تقنيات العرض المتحفي عالميًا، المتحف هو "هدية مصر" للعالم، حيث يجمع بين الأصالة والحداثة، ويتيح للزائرين تجربة حضارية متكاملة تبدأ من عظمة الحضارة الفرعونية، وتصل إلى حدود الإبهار التكنولوجي في التوثيق والعرض.
خلفية وتاريخ المشروع: من فكرة إلى إنجاز وطني
تعود فكرة إنشاء المتحف إلى عام 2002، حين أعلنت مسابقة دولية لتصميم متحف عالمي يعكس عظمة الحضارة المصرية القديمة، فازت شركة Heneghan Peng الأيرلندية بالتصميم، وتولت التنفيذ شركتا أوراسكوم للإنشاءات (مصر) وBESIX (بلجيكا)، تحت إشراف وزارة السياحة والآثار، وبمشاركة خبراء آثار من مصر ودول متعددة.
رغم التحديات التي واجهتها مصر في السنوات الأخيرة، ظل المشروع قائمًا بثبات، إلى أن تم الافتتاح الجزئي في أكتوبر 2024، حيث تمكن الزوار من الدخول إلى البهو العظيم، والدرج الكبير، وبعض المناطق المختارة، أما الافتتاح الكامل المنتظر، فسيقام في احتفالية عالمية خلال الربع الأخير من العام الجاري.
التحضيرات النهائية
في إطار الاستعداد لهذا الحدث الضخم، أعلنت وزارة السياحة والآثار عن إجراء مجموعة من المراجعات النهائية والتي تشمل:
اختبار شامل لأنظمة الأمان والمراقبة.
ضبط الإضاءة الذكية والصوتيات.
ترتيب القطع الأثرية داخل القاعات بدقة.
تدريبات الطاقم على سيناريوهات الطوارئ.
وخلال فترة التشغيل الجزئي من أكتوبر 2024 حتى يونيو 2025، استُقبل آلاف الزوار، مما أتاح اختبار الأنظمة والتجهيزات بصورة فعلية قبل الحدث العالمي.
مكونات المتحف: حضارة سبعة آلاف عام تحت سقف واحد
يمتد المتحف على مساحة أكثر من 480 ألف متر مربع، ويحتوي على:
قاعات عرض أثرية تضم أكثر من 100،000 قطعة من مختلف العصور.
قاعة توت عنخ آمون: لأول مرة تعرض كنوز الفرعون الذهبي كاملة في مكان واحد (أكثر من 5،000 قطعة).
متحف مراكب الشمس: بعد نقل مركب خوفو من جوار الهرم وترميمه بالكامل.
مركز ترميم عالمي: يشمل 19 معملا متخصصا ومركزا للأبحاث الأثرية.
قاعات متعددة الأغراض، متاجر، مطاعم، مناطق ترفيهية، ومكتبة أثرية.
المتحف ليس فقط للعرض، بل يعد مركزًا علميًا وثقافيًا مفتوحًا للعالم.
التقنيات والأنظمة الذكية في خدمة الحضارة
يُدار المتحف عبر منظومة متكاملة من الأنظمة التكنولوجية:
مراقبة أمنية ذكية (CCTV وAI).
حماية ضد الحرائق والتغيرات المناخية داخل القاعات.
شاشات عرض تفاعلية، وتطبيقات مرشد ذكي للزائرين.
إضاءة عرض متحفي رقمية تحافظ على سلامة القطع.
كل هذه الأنظمة خضعت للاختبار خلال فترة الغلق التجريبي قبل الافتتاح.
استراتيجية التسويق والسياحة
وضعت وزارة السياحة والآثار خطة تسويق دولية موسّعة تشمل:
حملات رقمية وإعلانية بـ 8 لغات.
التعاون مع منصات عالمية ومؤثرين دوليين.
دعوات موجهة إلى صحفيين ومؤسسات ثقافية دولية.
شراكات مع الفنادق لتنظيم برامج سياحية مدمجة (زيارة المتحف – الأهرامات – المتحف القومي للحضارة).
كل ذلك يهدف إلى تعزيز صورة مصر كوجهة ثقافية عالمية.
الأثر الاقتصادي والسياحي المتوقع
من المتوقع أن يحدث المتحف تحولا كبيرا في الخريطة السياحية المصرية:
استقطاب أكثر من 5 ملايين زائر سنويًا.
رفع متوسط مدة إقامة السائح في القاهرة.
تنشيط القطاعات المساندة (النقل – السياحة – الحرف اليدوية – الفنادق).
توفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
جذب الاستثمارات في منطقة الأهرامات والمتحف.
المتحف المصري الكبير.. الهرم الرابع
لا ينظر إلى المتحف كمجرد صرح أثري، بل كمشروع وطني جامع يعبر عن هوية مصر، ويعكس قدرتها على الإنجاز في أصعب الظروف ويلقب المتحف بأنه "الهرم الرابع" لما يمثله من ضخامة في المعمار، وثراء في المضمون، وقيمة رمزية تتجاوز حدود الزمان والمكان.