في ظل التطورات المتسارعة بالمنطقة، واندلاع المواجهات العسكرية بين إسرائيل وإيران، باتت أسواق النفط العالمية على صفيح ساخن، مع مخاوف متزايدة من اضطرابات في الإمدادات وارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار.
تفاصيل أخطر أزمة نفطية منذ غزو الكويت
وبينما تشتعل الصواريخ في سماء الخليج، تتحرك مصر بخطى محسوبة لتأمين احتياجاتها من الوقود والطاقة، وحماية الاقتصاد الوطني من تداعيات تلك الأزمة.
وسجل خام برنت ارتفاعًا يتجاوز 7 دولارات في ساعات قليلة، ليقترب من 75 دولارًا للبرميل، وسط توقعات قوية بأن تتسارع الزيادات إذا ما استمرت العمليات العسكرية أو اتسعت رقعتها لتشمل منشآت إنتاج أو تصدير نفطية في الخليج العربي.
في هذا السياق، تحدث مسؤول رفيع المستوى بوزارة البترول والثروة المعدنية إلى «الدستور»، كاشفًا عن تفاصيل خطة طوارئ متكاملة أعدتها الوزارة بالتعاون مع الهيئة العامة للبترول، والشركة القابضة للغازات الطبيعي «إبجاس» هدفها تأمين السوق المحلية ضد أية صدمات مفاجئة، خاصة إذا بلغ سعر البرميل كما تشير التقديرات الدولية مستويات قد تصل من 120 إلى 150 دولارًا في حال طال أمد الحرب.
وأوضح، أن الوزارة كانت قد وضعت عدة سيناريوهات منذ أشهر، بناءً على قراءات دقيقة لتصاعد التوترات في الإقليم، وشملت تلك السيناريوهات إجراءات استباقية جرى تفعيلها مؤخرًا مع تصاعد التصعيد العسكري، لافتا إلى أن أبرز هذه الإجراءات تمثلت في زيادة كفاءة المخزون الاستراتيجي، وتنويع مصادر الاستيراد، والتوسع في استخدام الغاز الطبيعي المضغوط، وتسريع تشغيل وحدات إعادة التغييز بميناء العين السخنة، بالإضافة إلى إجراءات داخلية لترشيد استهلاك الغاز في بعض المصانع كثيفة الاستهلاك.
تأمين شحنات الاستيراد
من جانبه، قال مسؤول بارز بالهيئة العامة للبترول، إن الوضع الراهن لا يتعلق فقط بسعر البرميل، وإنما بالأثر المركب لعدد من العوامل، منها تأمين شحنات الاستيراد، وارتفاع تكلفة التأمين والنقل، والضغط على الموازنة العامة، واحتمالات تراجع الاحتياطي النقدي، فضلًا عن الآثار التضخمية المباشرة.
وأشار إلى أن كل ارتفاع قدره دولار 10 دولارات في سعر البرميل يؤدي إلى زيادة في فاتورة استيراد المواد البترولية بنحو 1.5 إلى 2 مليار دولار سنويًا، ما يعني أن استمرار السعر فوق مستوى 100 دولار لفترة تتجاوز ثلاثة أشهر سيشكل عبئًا مضاعفًا على المالية العامة المصرية.
وتابع: «نحن الآن أمام مرحلة دقيقة تتطلب تنسيقًا عالي المستوى بين جميع أجهزة الدولة، من وزارت البترول والمالية، والبنك المركزي ووزارة الكهرباء أيضًا، لأن تكلفة الوقود تؤثر بشكل مباشر على تسعير الكهرباء وعلى الصناعات الاستراتيجية».
وأوضح، أن الاحتياطي المصري من المازوت والسولار حاليًا في وضع آمن، ويكفي احتياجات محطات الكهرباء لما لا يقل عن ثلاثة أشهر، كما أن الشبكة القومية للغاز الطبيعي تعمل بكفاءة عالية، وهناك متابعة لحظية من غرفة العمليات المركزية بقطاع البترول التي ترفع تقاريرها على مدار الساعة لوزير البترول المهندس كريم بدوي، ولغرفة الأزمات التابعة لمجلس الوزراء.
700 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الدستور»، فإن وحدة إعادة التغييز العائمة «إينرجوس باور» بدأت منذ أيام في ضخ نحو 700 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي إلى الشبكة القومية، وهو ما وفّر طاقة بديلة سريعة وفعالة، تضاف إلى الإنتاج المحلي، فيما يتم حاليًا تجهيز سفينتين إضافيتين لإعادة التغييز، تمهيدًا لتشغيلهما خلال الأيام المقبلة، وهو ما يعزز قدرة الدولة على الاستجابة لأي نقص محتمل في كميات الغاز المخصص لتوليد الكهرباء أو للاستخدام الصناعي.
كما اتخذت الوزارة خطوة مهمة من خلال تأجيل ضخ الغاز إلى عدد من المصانع كثيفة الاستهلاك مثل مصانع الأسمنت والأسمدة مع تعويضها مؤقتًا بكميات إضافية من المازوت، لتخفيف الضغط على الشبكة وضمان استمرار تشغيل محطات الكهرباء بكامل طاقتها، هذه الخطوة تُعد إحدى حلقات خطة الطوارئ التي وضعتها الوزارة لضمان عدم اللجوء إلى سيناريوهات تخفيف الأحمال، خاصة في ظل موجة الحرارة المرتفعة وزيادة الاستهلاك الصيفي.
على الصعيد الدولي، بدأت الأسواق في استيعاب حقيقة أن المواجهة بين إيران وإسرائيل قد لا تكون محدودة أو سريعة كما كانت التقديرات الأولية، ما يعني أن ما يُعرف بـ«علاوة المخاطر» على أسعار النفط مرشحة للارتفاع، وهي عبارة عن مبلغ إضافي يُضاف لسعر البرميل الأساسي لتعويض المستثمرين وشركات النقل والتأمين عن المخاطر المحتملة، وتاريخيًا، شهدت هذه العلاوة ارتفاعًا يتجاوز 10 دولارات خلال أزمات مثل حرب الخليج أو غزو العراق، وهو ما قد يتكرر اليوم أو يتجاوزه، خصوصًا مع تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز.
سيناريوهات تحوطية مالية لتقليل آثار ارتفاع الأسعار
وقال المسؤول بالهيئة العامة للبترول، إن وزارة البترول تتعاون حاليًا مع البنك المركزي ووزارة المالية لوضع سيناريوهات تحوطية مالية لتقليل آثار ارتفاع الأسعار، من بينها دراسة آليات التحوط بمشتقات النفط، بما يسمح بتثبيت الأسعار جزئيًا لفترة محددة، وتقليل النزيف الدولاري الناتج عن الاستيراد المفتوح بأسعار السوق.
كما أشار إلى أن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية قد تُضطر إلى مراجعة آلية التسعير الحالية، في حال تجاوز سعر خام برنت حاجز 100 دولار لفترة متواصلة.
وفى إطار متصل، ارتفعت الأصوات داخل أروقة منظمة أوبك مطالبة بالتدخل السريع لوقف حالة الهلع في السوق، فالتقديرات تشير إلى أن الزيادة الحالية في السعر ليست ناتجة فقط عن نقص المعروض، وإنما عن توقع نقصه مستقبلًا، وهو ما يمكن علاجه عبر قرار فوري من أوبك بزيادة الإنتاج بنحو مليون برميل يوميًا أو أكثر، لتهدئة السوق، وتقديم إشارات طمأنة للمستوردين والدول النامية.
أما في مصر، فإن الاستعدادات مستمرة على مستويات عدة، حيث تعمل غرفة عمليات الشبكة القومية للغاز بشكل متواصل على مراقبة حركة الإمدادات الداخلية، والتنسيق مع هيئة قناة السويس لتأمين عبور شحنات الوقود القادمة من الخليج، فضلًا عن استمرار العمل في مشروعات توسيع شبكة محطات الغاز الطبيعي المضغوط للسيارات، والتي تعتبر بديلًا اقتصاديًا مهمًا للوقود التقليدي في وقت الأزمات.
وقال مسؤول وزارة البترول: «ما نواجهه هو اختبار حقيقي لكفاءة المنظومة وقدرتها على الاستجابة للأزمات، والدولة المصرية تتحرك بمنهجية واعية تضع الاستقرار أولًا، نحن لا ننتظر حدوث الأزمة لنواجهها، بل نستبقها بإجراءات مدروسة نأمل أن تقلل آثارها على الاقتصاد والمواطن في آن واحد».