قبل ساعات من الهجوم الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية فجر الجمعة 13 يونيو الحالي، كشفت الصناعات الجوية الإسرائيلية عن تسليم نسخة جديدة من رادار متعدد المهام مدعوم بالذكاء الاصطناعي، بقدرة على "منع الهجوم الصاروخي المقبل"، في إشارة إلى التهديدات الإيرانية.
وذكرت صحيفة "معاريف" العبرية، نقلاً عن مسؤولين، أن النسخة الـ250 من الرادار المتعدد المهام (MMR) باتت تشكل "قلب" أنظمة الدفاع الجوي في إسرائيل، بقدرات على اكتشاف مئات التهديدات الجوية في وقت واحد، بفضل دمج تقنيات مع الذكاء الاصطناعي.
هذه الأنظمة، التى أعلنتها إسرائيل طورتها شركة "إلتا" التابعة للصناعات الجوية، وهي المسؤولة حتى الآن عن اعتراض آلاف المحاولات لاستهداف إسرائيل جواً منذ هجوم حماس 7 أكتوبر فى عملية "طوفان الأقصى".
وكشفت الصحيفة أن الهجوم الباليستي الإيراني على إسرائيل فى 4 أبريل 2024، أسهم فى تغيير نظرة قادة العالم، ما دفع دولاً عديدة للاهتمام بتقنيات الذكاء الاصطناعي فى أنظمة الدفاع والهجوم.
والمتابع جيداً للتصريحات الإسرائيلية سيعلم جيداً أن توقيت هذا التصريح والإعلان الإسرائيلي ليس من قبيل الصدفة ولكنه رسالة واضحة قبل ساعات من هجومها على الأراضي الإيرانية واستهداف مواقع نووية وشخصيات عسكرية عسكرية وعلماء فى الطاقة النووية، وتوضح هذه الرسالة أن الذكاء الاصطناعي وأحدث التقنيات تم توظيفها بشكل جيد فى عمليات الدفاع الإسرائيلية وتطويرها بشكل غير مسبوق وهذه التقنيات أيضاً ستسخدم فى الهجوم واستهداف المواقع والاشخاص، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي محركاً قوياً فى الملف الإسرائيلي الإيراني.. ولأهميته وخطورته، تتسابق الدولتان على استغلال هذه التقنيات فى محاولة تفوق دولة على أخرى.. ففى إطار حرب الذكاء الاصطناعي بين الدولتين، أعلنت القناة الرسمية الإيرانية في 13 يناير الماضي عن تسلُّم الجيش الإيراني نحو 1000 طائرة مسيّرة جديدة "طائرات بتقنيات ذكاء اصطناعي" لضمها إلى ترسانة فروعه الأربعة (القوات البرية، البحرية، الجوية، وفيلق القدس).
وقبل ذلك أعلنت طهران بداية 2025 تخصيص (115 مليون دولار) لأبحاث الذكاء الاصطناعي وتطويره.
وفى 18 مايو الماضي، وافق مجلس الشورى الإسلامي الإيراني على الخطوط العريضة للخطة الوطنية للذكاء الاصطناعي، في إطار طموح إيران للانضمام إلى قائمة العشر قوى العظمى في مجال الذكاء الاصطناعي، وعزم طهران على التحول من مستهلك للذكاء الاصطناعي إلى مطور عالمي.
وفى المقابل أيضاً، أعلنت إسرائيل طبقاً لتقرير "معاريف" أنها قامت ببيع الأنظمة الإسرائيلية مدعومة بالتقنيات الحديثة "القبة الحديدية"، و"حيتس"، و"مقلاع داوود"، و"سبايدر"، لأكثر من 20 دولة عبر خمس قارات، بإجمالي صفقات تتجاوز 25 مليار شيكل ويُعد ذلك الأكثر مبيعاً في فئته عالمياً طبقا للتقرير.
وكانت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قد كشفت عن أن شركة جوجل عملت على تزويد الجيش الإسرائيلي بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي. وأوضحت الصحيفة أن التعاون بين جوجل ووزارة الدفاع الإسرائيلية بدأ عام 2021، حين طلبت إسرائيل توسيع استخدامها لخدمة "فيرتيكس" من جوجل لتطوير خدمات بالذكاء الاصطناعي.
وبعد.. إن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصراً قوياً وخطيراً على طاولة المفاوضات وعاملاً مؤثراً في المعادلة السياسية والعسكرية والاقتصادية. إن استغلاله بالشكل الأمثل سيجعل الجميع يفكر ألف مرة قبل اتخاذ أى إجراءات سواء اقتصادية أو عسكرية ضدك وستكون الحسابات مختلفة مع مرور الوقت والدولة التى لا تمتلك منظومة ذكاء اصطناعي قوية لن يكون لها ثقل سياسي أو عسكري أو اقتصادي.
أخيراً، إن الذكاء الاصطناعي ليس برنامج شات جي بي تي أو برامج الشات وتغير الصور وعمل فيديوهات ساخرة وتركيب الأصوات وتغييرها، فالأمر أكبر وأعمق من ذلك بكثير.. لقد أصبح عامل فى تفوق دول على أخرى.
فى النهاية، إن ما تمر به المنطقة العربية من تغيرات سياسية واقتصادية وعسكرية وضغوطات دولية، يدعونا إلى بذل مجهودات مضاعفة فى كل الملفات ومن ضمنها الذكاء الاصطناعي مع التماسك الداخلي ودعم القيادة السياسية فى قراراتها ورؤيتها حتى نحافظ على بلادنا.. حفظ الله مصر من أى سوء.
*حاصل على دكتوراه فى حوكمة الذكاء الاصطناعي