أشعلت الضربات الإسرائيلية المكثفة ضد إيران، التي استهدفت منشآت نووية ومواقع عسكرية، المخاوف من اندلاع صراع إقليمي واسع يهدد إمدادات النفط العالمية، وسط تحذيرات من إمكانية لجوء طهران إلى إغلاق مضيق هرمز، وهو أحد أهم الممرات الحيوية لصادرات الطاقة في العالم.
وشهدت أسعار خام برنت، وهو المعيار العالمي لأسعار النفط، ارتفاعًا حادًا بنسبة 12% لتصل إلى 78.5 دولارًا للبرميل في الساعات الأولى من صباح الجمعة، بعد أن شنت إسرائيل عشرات الغارات التي أسفرت عن مقتل قيادات رفيعة في الحرس الثوري الإيراني، وفق صحيفة فايننشيال تاميز.
لكن الأسعار تراجعت لاحقًا إلى 75 دولارًا للبرميل، بعد اتضاح أن الهجوم الإسرائيلي لم يشمل البنية التحتية النفطية الإيرانية، وهو ما ساعد في تهدئة السوق مؤقتًا. مع ذلك، حذر المتعاملون في أسواق الطاقة من أن الأسعار قد تقفز بشكل كبير إذا ردت إيران بعمليات انتقامية تستهدف البنية التحتية النفطية أو حركة الملاحة.
مخاوف من التصعيد عبر مضيق هرمز
قال أحد كبار التنفيذيين في شركة تجارة نفط كبرى: "الأسواق لا تزال هادئة نسبيًا لأن إسرائيل تجنبت ضرب منشآت النفط، لكن إيران تعلم أن هذا هو نقطة الضعف الحقيقية."
ويمر عبر مضيق هرمز الضيق أكثر من 21 مليون برميل يوميًا من النفط الخام من إيران والعراق والكويت والسعودية والإمارات، وهو ما يعادل ثلث صادرات النفط البحرية العالمية. ورغم تهديدات إيران المتكررة بإغلاق المضيق في حال تعرضها لهجوم، إلا أنها لم تتمكن من منعه بشكل كامل في أي وقت سابق.
وقالت أمينة بكر، رئيسة قسم الشرق الأوسط وتحالف "أوبك+" في شركة كبلر للتحليلات، إن إغلاق المضيق – رغم أنه احتمال مستبعد حاليًا – سيكون بمثابة "أقصى درجات الرد الإيراني"، مشيرة إلى أن ذلك "قد يدفع بأسعار برنت إلى ما فوق عتبة 100 دولار للبرميل".
القوات الأمريكية في الخليج.. ومحدودية قدرة طهران
وتتمركز الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، ما يجعل من الصعب على إيران إغلاق المضيق بالكامل لفترة طويلة، بحسب هليما كروفت، رئيسة استراتيجية السلع في RBC. إلا أن إيران قد تلجأ لشن هجمات على ناقلات النفط لتعطيل حركة الملاحة، كما فعلت خلال حربها مع العراق في الثمانينيات، لكنها بذلك ستعرّض أيضًا صادراتها اليومية إلى الصين، والتي تتجاوز مليون برميل يوميًا، للخطر.
ولفت خورخي ليون، رئيس التحليل الجيوسياسي في شركة Rystad، إلى أن التحول في تسلسل الضربات — حيث بادرت إسرائيل بالهجوم بدلًا من الرد — يمكن أن يعيد تشكيل توقعات السوق والمخاطر المحتملة.
وقال ليون: "إذا قررت إيران تعطيل تدفق النفط عبر المضيق، أو استهدفت منشآت نفطية خليجية، أو حتى أصولًا أمريكية في المنطقة، فقد نشهد ارتفاعًا في الأسعار يصل إلى 20 دولارًا للبرميل أو أكثر."
منشآت نفطية في مرمى النيران
تملك إيران القدرة على استهداف بعض أكبر حقول النفط في العالم، خاصة في السعودية والعراق، بواسطة الصواريخ والطائرات المسيّرة. ففي عام 2019، يُعتقد أن إيران كانت وراء هجوم بطائرات مسيّرة على منشأة بقيق السعودية، ما أدى إلى خفض إنتاج المملكة لأكثر من النصف مؤقتًا، وارتفاع الأسعار بنسبة 20%.
لكن تحسّن العلاقات بين السعودية وإيران بعد استعادة العلاقات الدبلوماسية عام 2023، جعل تكرار مثل هذا الهجوم على منشآت "أرامكو" أقل احتمالًا، بحسب بكر من كبلر.
في المقابل، قد تلجأ إسرائيل لتصعيد أكبر عبر استهداف جزيرة خرج الإيرانية، التي تصدّر عبرها طهران حوالي 90% من نفطها، وتشكل موردًا أساسيًا لتمويل برنامجها النووي والعسكري.
هل تتدخل أوبك؟
أشار المتعاملون إلى أن الأسعار الحالية للنفط أقل من المستويات المسجلة في بداية العام، عندما فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية أثارت مخاوف حول الطلب. ولفتوا إلى أن السعر العادل للنفط قد يكون أعلى بـ10 دولارات من مستواه الحالي إذا ما احتُسبت المخاطر الجيوسياسية بالكامل.
ورغم ذلك، أعلن تحالف "أوبك+" بقيادة السعودية أنه لا يرى داعيًا للتحرك في الوقت الراهن. وقال التحالف في بيان الجمعة:
"لا توجد تطورات حالية في السوق أو الإمدادات تستدعي اتخاذ تدابير استثنائية."
ويحتفظ التحالف، نظريًا، بأكثر من 5 ملايين برميل يوميًا من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية، يمكن استخدامها إذا حدثت اضطرابات كبيرة، بما في ذلك فقدان الإمدادات الإيرانية.