سعد أردش.. صانع الحلم المسرحي ورائد التجريب في العالم العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحتفي الأوساط الفنية، اليوم الجمعة، بذكرى وفاة الفنان والمخرج المسرحي سعد أردش أحد أبرز رموز المسرح العربي، الذي امتدت مسيرته لعقود من العطاء، وأسهم خلالها في تشكيل ملامح المسرح المصري الحديث، ووضعه على خريطة التجريب العالمية.

المسرح أداة للتغيير ووسيلة لبناء الوعي

ظل سعد أردش، طوال حياته، متمسكًا بقناعة راسخة مفادها أن المسرح ليس ترفًا ثقافيًا، بل أداة للتغيير ووسيلة لبناء الوعي، وهو ما انعكس في مجمل أعماله ومواقفه الفنية والفكرية.

53f26109cf.jpg

من دمياط إلى خشبة المسرح

في السادس عشر من يونيو عام 1934 ولد سعد أردش في مدينة فارسكور بمحافظة دمياط، في بيئة ساحلية أثرت مبكرًا في تكوينه الوجداني، بعد دراسته الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، وجد ضالته في الفن المسرحي فالتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، حيث بدأ مشواره الفني كممثل، قبل أن يتجه إلى الإخراج، ويضع بصمته المميزة على تجارب استثنائية في المسرح المصري.

أوروبا مفتاح التجديد

سافر سعد أردش في مرحلة مبكرة من حياته المهنية إلى أوروبا، لا سيما إلى إيطاليا، حيث درس الإخراج المسرحي واطلع على أحدث الاتجاهات العالمية في فن العرض، فهذه التجربة العميقة منحته رؤية فنية متجاوزة للسائد، مزج فيها بين أساليب المسرح التجريبي الغربي والهوية الثقافية العربية، ليصنع أسلوبًا خاصًا أصبح لاحقًا علامة فارقة في المسرح المصري الحديث.

أول رئيس لمهرجان المسرح التجريبي

لم يكن سعد أردش مجرد مخرج مسرحي، بل كان أيضًا مؤسِّسًا لمشروعات ثقافية كبرى، أبرزها تأسيس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 1988، والذي تولى رئاسته في دورته الأولى، وقد نجح من خلال هذا المهرجان في تحويل القاهرة إلى منبر عالمي لتبادل التجارب المسرحية الرائدة، وفتح آفاقًا جديدة أمام المسرحيين المصريين للاحتكاك بالمدارس العالمية في التجريب والتأليف والإخراج.

3a818ca5b1.jpg

أعمال خالدة

قدم سعد أردش مجموعة من العروض المسرحية التي أصبحت محفورة في ذاكرة الجمهور والنقاد، من أبرزها: «كوبري الناموس، السبنسة، الإنسان الطيب من سيتشوان، كاليجولا، غراميات عطوة أبو مطوة، الحرافيش، أنت فين يا جميل، الشبكة» وغيرها، كما شارك كممثل في بعض الأعمال السينمائية والتلفزيونية، أبرزها فيلم «موعد مع الرئيس» الذي قدم فيه شخصية رئيس مجلس البرلمان باقتدار لافت.

أستاذ أجيال ومثقف موسوعي

لم تقتصر إسهامات سعد أردش على الخشبة فقط، بل كان أيضًا أستاذًا أكاديميًا متميّزًا، تولى رئاسة قسم الإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وأسهم في تخريج أجيال من الفنانين الذين أصبحوا لاحقًا من أعمدة المسرح والدراما في مصر والعالم العربي، كان معروفًا بحزمه الأكاديمي وحرصه الشديد على تكوين عقلية نقدية لدى طلابه، مؤمنًا بأن المسرح هو مساحة حرة للتفكير لا للتلقين.

أما في مجال الترجمة، فأسهم سعد أردش في ترجمة أعمال مسرحية إيطالية مهمة للعربية منها: «خادم سيدين، ثلاثية المصيف لكارلو جولديني، جريمة في جزيرة الماعز، انحراف في قصر العدالة لاوجوبتي، الحفلة التنكرية لالبرتومورافيا، بياتريس لتشنشي»، وغيرها.

f554608634.jpg

ضمير فني وموقف إنساني

امتلك سعد أردش موقفًا ثابتًا تجاه قضايا الفن والمجتمع، وعبر دائمًا عن دعمه لحرية الإبداع ورفض الوصاية على الفنانين، كان يؤمن بأن المسرح لا يجب أن يختزل في التسلية، بل يجب أن يلامس الواقع ويشتبك مع قضاياه، وهو ما جعله عرضة أحيانًا لصدامات مع المؤسسات الرسمية، لكنه ظل وفيًا لقناعاته حتى النهاية.

رحيل جسدي وبقاء فكري

شكل غياب سعد أردش خسارة كبيرة للمشهد المسرحي، لكن حضوره لا يزال قائمًا في أعماله، وفي عقول وقلوب تلاميذه ومحبيه، فلا نملك إلا أن نستعيد سيرة رجل آمن بالمسرح حد الشغف، وجعل من الخشبة منبرًا للحقيقة والجمال، فهو لم يكن مجرد فنان، بل كان مشروعًا ثقافيًا متكاملًا، وأحد القلائل الذين جمعوا بين الفكر والممارسة، وبين الحلم والتجسيد.

b89fd8a53a.jpg

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ما هو الفرق بين الميقات الزماني والمكاني؟.. رئيس جامعة الأزهر يجيب
التالى محافظ أسوان يزور الرائد أحمد شمت ويهديه باقة ورد تقديرًا لبطولته وشجاعته