فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وتحديدًا مدينة رفح الفلسطينية، بدأ مشهد جديد يتشكل على الأرض، مع ظهور جماعة مسلحة تُطلق على نفسها اسم «القوات الشعبية»، بقيادة المدعو ياسر أبوشباب.
أثار ظهور ياسر أبوشباب وجماعته تساؤلات عدة، فى ظل المعلومات التى تشير إلى أنه «صنيعة إسرائيلية»، بهدف إعادة تشكيل موازين القوى محليًا، وظهور أدوات جديدة قد تستخدم لإدارة المشهد الأمنى، فى ظل مخطط «احتلال غزة».
وتسبب «أبوشباب» فى جدل واسع، خاصة ما يتعلق بصلاته مع السلطة الفلسطينية التى نفت بشكل رسمى وسريع أى رابط أو تواصل معه. كما أن عائلته تبرأت منه وأهدرت دمه، لتظل علاقته بإسرائيل الرابط الوحيد الذى لم يُنفَ، بل تم تأكيده علانية، من قِبل أعلى المستويات فى دولة الاحتلال.
اشتهر بتجارة المخدرات.. متورط فى نهب المساعدات.. ويعمل تحت حماية الاحتلال
ياسر أبوشباب، قائد المجموعة المسلحة التى تُطلق على نفسها اسم «القوات الشعبية»، وتعمل فى جنوب قطاع غزة، يبلغ من العمر نحو ٣٢ عامًا، فقد ولد فى ١٩ ديسمبر ١٩٩٣، وهو من سكان مدينة رفح الفلسطينية، من أصل بدوى، وتحديدًا قبيلة «الترابين».
لا يجيد «أبوشباب» القراءة أو الكتابة، فقد ترك الدراسة فى سن مبكرة، وبدأ بالعمل فى تجارة المخدرات، خاصة «الحشيش» والحبوب النفسية، حسب شهادة أحد مقربيه، التى نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.
وكشفت مصادر فلسطينية عن أن «أبوشباب» اُعتقل من قبل حركة «حماس»، قبل اندلاع الحرب الجارية فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، بتهمة السرقة وتجارة المخدرات، قبل أن يهرب من السجن بعد قصف جوى إسرائيلى مقر الأمن التابع لـ«حماس».
بعد هروبه، أسس مجموعة مسلحة باسم «القوات الشعبية»، قال إنها تهدف لحماية سكان غزة، وتقديم المساعدات الإنسانية لهم. لكن تقارير فلسطينية ودولية اعتبرت أنها ميليشيا تعمل بالتنسيق مع إسرائيل فى مناطق السيطرة العسكرية، خاصة شرق رفح الفلسطينية قرب معبر كرم أبوسالم.
ويتبع «أبوشباب» نحو ٣٠٠ مسلح من غزة، بعضهم هاربون من سجون «حماس»، بعد القصف الإسرائيلى الذى استهدفها، مع حصوله على دعم من قبل ٣٠ عائلة فى شرق رفح، إلى جانب استفادته من حماية نسبية يوفرها وجود جيش الاحتلال الإسرائيلى فى المنطقة، وذلك بتجنب تنفيذ أى ضربات جوية هناك.
وتتألف المجموعة المسلحة التى يقودها «أبوشباب» من أفراد يقيمون عادة فى حى «ناصر» بمدينة رفح الفلسطينية، وهى المنطقة التى يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلى حاليًا.
وفى نوفمبر ٢٠٢٤، نجا «أبوشباب» من محاولة اغتيال فى المستشفى الأوروبى بخان يونس، بينما قتل اثنان من شركائه، شقيقه فتحى أبوشباب وماجد أبودكار، على يد عناصر «حماس».
ومنذ دخول جيش الاحتلال الإسرائيلى رفح الفلسطينية، فى مايو الماضى، بدأ نجم «أبوشباب»، ومجموعته المسلحة، فى الصعود، خاصة بعدما نهبوا شاحنات المساعدات، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بينهم وبين الأجهزة الأمنية لـ«حماس».
بعدها، بدأت المجموعة المسلحة فى تفتيش أحياء رفح التى تسيطر عليها إسرائيل، وجرت تلك العمليات تحت رعاية القوات الإسرائيلية، وفق موقع «كيكار هاشابات» الإسرائيلى. وفى وقت لاحق، عملت مجموعة «أبوشباب» فى تأمين شاحنات المساعدات الإنسانية التى كان يتم إدخالها إلى غزة، ومن ثم استغلت ذلك فى سرقة البضائع. لذا ليس غريبًا أن يُذكر اسم «أبوشباب» فى مذكرة داخلية للأمم المتحدة كمسئول عن نهب ممنهج للمساعدات الإنسانية.
توجد مجموعة «أبوشباب» على بُعد ١.٥ كم من معبر رفح، ويمارسون مهامهم دون أى عوائق بالقرب من دبابات وقوات مشاة جيش الاحتلال الإسرائيلى، وحسبما نقله موقع «كيكار هاشابات» عن فلسطينيين داخل غزة، اتخذ ياسر أبوشباب قصر «الجرجرون» فى رفح، أحد المبانى القليلة التى لا تزال قائمة ولم تتعرض للقصف الإسرائيلى، قاعدة لمجموعته المسلحة التى انتشرت توثيقات لأعضائها وهم يلتقطون صورًا داخل القصر على وسائل التواصل الاجتماعى الفلسطينية.
«الشاباك» جنّده وأمده بكميات كبيرة من الأسلحة
زعمت مصادر أمنية إسرائيلية أن أحد الأسباب الرئيسية لتسليح مجموعة «أبوشباب» هو الرغبة فى منع «حماس» من السيطرة على قوافل المساعدات، خاصة تلك الموجهة لمراكز توزيع مؤسسة المساعدات الأمريكية.
هذه التصريحات تخالف الواقع تمامًا، خاصة أن مجموعة «أبوشباب» متورطة فى سرقة ونهب المساعدات الإنسانية التى تدخل غزة، تحت رعاية إسرائيلية، وفق مصادر مسئولة عن تلك المساعدات.
وخلال الأشهر الأولى من هذا العام، تورطت مجموعة «أبوشباب» فى عمليات سطو ممنهجة على قوافل المساعدات الإنسانية فى غزة، خاصةً فى منطقة رفح، وبالقرب من معبر كرم أبوسالم.
وحوّل ياسر أبوشباب هذه السرقة إلى تجارة مربحة للغاية، بعدما فرض مسلحوه «رسوم عبور» بلغت نحو ٤٠٠٠ دولار أمريكى لكل شاحنة مساعدات، مع قتل وإصابة أى سائق يرفض التعاون، وفق ما ذكرته القناة «١٢» فى التليفزيون الإسرائيلى.
فرض «إتاوة» على كل شاحنة مساعدات
كشفت مصادر إسرائيلية عن أن جهاز الأمن العام «الشاباك» هو من تولى مهمة تسليح مجموعة «أبوشباب»، بالتعاون مع قوات جيش الاحتلال الإسرائيلى فى مدينة رفح الفلسطينية.
وقال مسئولون أمنيون إسرائيليون، فى تصريحات لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن المبادرة انطلقت من جهاز «الشاباك»، لأنه تربطه علاقات طويلة الأمد بالمجموعة المُسلحة المتمركزة فى رفح.
وأوضح المسئولون الأمنيون أن جهاز الأمن العام نفذ عملية سرية لتسليح ميليشيا فلسطينية منافسة فى غزة، خلال الأشهر الأخيرة، بموافقة مباشرة من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، وذلك بهدف تحدى «حماس» فى جنوب غزة، من خلال تعزيز «جماعة بدوية» مقرها رفح.
وأضافوا: «توجه نتنياهو لتسليح مجموعات محلية فى غزة جرت مناقشته فى إحدى اللجان السرية داخل الكنيست»، مؤكدين من جديد أن «عملية تسليح ياسر أبوشباب ومجموعته، بادر إليها بل قادها جهاز (الشاباك)».
وواصلت المصادر الإسرائيلية: «عملية تسليح مجموعة (أبوشباب) تمت بموافقة المستوى السياسى، وكان من بين المطلعين على الأمر، إلى جانب نتنياهو: رون ديرمر، وزير الشئون الاستراتيجية، وإيال زامير، رئيس الأركان، ويسرائيل كاتس، وزير الأمن».
وعن تفاصيل تسليح المجموعة، تقول تقديرات إسرائيلية إنه تم إمدادها بكميات كبيرة من الأسلحة، على رأسها: بنادق هجومية، من بينها طراز «AK-47»، وأسلحة خفيفة، ومئات المسدسات التى نُقلت إلى «أبوشباب» بالتعاون بين قوات الجيش الإسرائيلى و«الشاباك».
وتطرق مسئولون أمنيون إسرائيليون آخرون إلى علاقة المجموعة المسلحة بتنظيم «داعش»، مؤكدين أنها ليست تابعة لـ«داعش» فى سيناء، لكنها تحافظ على علاقات اقتصادية وثيقة معه.
ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن مسئول أمنى إسرائيلى أن «التركيز الأساسى لتلك المجموعة ينصب على التهريب والدعارة والابتزاز، وليس على القضية الفلسطينية».
وحذر مسئولون أمنيون إسرائيليون من عدم وجود ضمانات بأن «المسلحين لن يستهدفوا قوات الجيش الإسرائيلى لاحقًا، خاصة على طول ممر فيلادلفيا، أو على طرق المساعدات الإنسانية».
وقال مسئول أمنى إسرائيلى مُشارك بشكل مباشر فى العملية، إن الوحدة المنفذة للخطة، والمسئولة عن تسليح العصابات للقتال داخل غزة، تتلقى أوامر من «القيادة العليا»، مضيفًا لهيئة البث الإسرائيلية «كان»: «القوة تم تنسيقها ميدانيًا من قبل ضباط (الشاباك)».
وواصل المسئول الأمنى الإسرائيلى: «العملية معقدة ومدروسة وسرية للغاية، وليست مجرد مهمة مساعدة عسكرية أخرى»، متابعًا: «لا أعلم بالضبط منذ متى وهذا الأمر مستمر. هو بناءً على طلب من جهاز المخابرات العسكرية و(الشاباك). وأعتقد أن هناك عمليات أخرى فى مناطق متعددة من غزة، نظرًا لحساسية الوضع وتقسيمه».
وكشف عن أن الشحنات الإسرائيلية المُقدمة للمجموعة المُسلحة شملت أسلحة خفيفة ومعدات واسعة النطاق، وربما أموالًا أيضًا، مضيفًا: «الأسلحة التى تم إدخالها مجموعة مما تمت مصادرته من غزة خلال الحرب».
من جانبه، لم ينف «نتنياهو» أيًا من تلك المعلومات، بل أكد أن إسرائيل تعمل بهدف واحد هو هزيمة «حماس». وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى: «إسرائيل تعمل على هزيمة حماس بطرق مختلفة ومتنوعة، بتوصية جميع رؤساء أجهزة الأمن».
مجموعته تضم عناصر تابعة لـ«داعش» وقاتلت ضد مصر فى شمال سيناء
من بين الشخصيات البارزة فى مجموعة «أبوشباب» هو عصام النباهين، البالغ من العمر ٣٣ عامًا، من مخيم النصيرات وسط القطاع، الذى قاتل سابقًا مع تنظيم داعش الإرهابى فى سيناء ضد الجيش المصرى.
وعاد «النباهين» لغزة قبل اندلاع الحرب فى ٧ أكتوبر، وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن هناك توثيقًا له وهو يطلق صواريخ نحو إسرائيل دون تنسيق مع حماس.
وكشف مصدر إسرائيلى عن أن «النباهين» حكم عليه بالإعدام فى غزة، لكنه تمكن من الهرب من السجن فى اليوم الأول من الحرب الحالية.
وبرز أيضًا اسم راسان الدهينى، شقيق وليد الدهينى، أحد أفراد داعش الذى اغتالته حماس، وكان متورطًا فى خطف جلعاد شاليط عام ٢٠٠٦، ويعمل حاليًا ضمن مجموعة «أبوشباب» الجديدة.
وظهر «أبوشباب» بشكل مفاجئ فى غزة، وهو أمر تزامن مع تجدد إدخال المساعدات الإنسانية، إذ روج لمجموعته عبر صفحات باسمه على منصات مثل «فيسبوك» و«إكس».
وبدأ «أبوشباب» بنشر رسائل بحجة أنه يملأ الفراغ الأمنى فى منطقة رفح، حسبما نشر موقع «كيكار هاشابات».
ويظهر أفراد مجموعة «أبوشباب»، فى العديد من التسجيلات، ويبدو أنهم مجهزون بشكل جيد للغاية، يرتدون خُوذًا وسترات ويحملون أسلحة شخصية، وهو أمر لا يُرى يوميًا فى غزة، خاصة عندما تختفى عناصر حماس، بينما يتجول رجال «أبوشباب» بحرية، حسب الموقع الإسرائيلى.
ووفقًا لشهادات من غزة، فإن مهام مجموعة «أبوشباب» لا تقتصر على دورهم فى تأمين القوافل على طريق موراج، بل إنهم أيضًا يخرجون لجولات تمهيدية قبل دخول الجيش الإسرائيلى نقاطًا محددة بهدف كشف نشطاء عسكريين من الفصائل الفلسطينية.
«السلطة» تنفى أى صلة به
نفت السلطة الفلسطينية أى روابط أو تواصل يجمعها بـ«ياسر أبوشباب»، وقال اللواء أنور رجب، المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية، إنه ليس لهم أى صلة بما وصفه «ظاهرة المدعو ياسر أبوشباب» أو أى مجموعة فلسطينية مسلحة أخرى.
واتخذت عائلة «أبوشباب» موقفًا علنيًا بالتبرؤ من «ياسر»، قائلة فى بيان: «مجموعات ياسر متورطة فى اشتباكات أمنية خطيرة، بل تعمل ضمن وحدات سرية وتدعم قوات الاحتلال الصهيونى التى تقتل أبناء شعبنا بوحشية». وحثت كل من انضم إليه بأن يحذو حذوها.
وأهدرت عائلة «أبوشباب» دماءه، قائلة: «يمكن لمن حوله تصفيته.. لا مانع لدينا، ونؤكد بوضوح أن دمه مهدور».
الظهور الإعلامى الأول.. حوار مع إذاعة الجيش الإسرائيلى وعرض لـ«التنسيق الإنسانى»
تحدث «أبوشباب»، فى أول ظهور إعلامى له، مع إذاعة الجيش الإسرائيلى، وأوضح أهداف مجموعته، وعدم ممانعته التنسيق مع إسرائيل.
وقال إن مئات العائلات الفلسطينية تطلب منهم اللجوء داخل مناطق شرق رفح، موضحًا أنهم يستقبلون عشرات العائلات والأسر يوميًا.
وأضاف: «وجودنا هنا ضرورى لحماية العائلات فى المناطق الخاضعة لرقابة الجيش الإسرائيلى.. هم يَصلون عبر ممر إنسانى، ونحن نطالب بالسماح بمرور آمن لعشرات الآلاف من الأشخاص، ويجب أن يكون الممر الإنسانى تحت رقابة دولية».
وأكد أن علاقته بالسلطة الفلسطينية تتم فى إطار المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطينى، وفى إطار شرعيتها القانونية.
وتابع: «نحن نجرى فحوصات أمنية من خلال جهاز الاستخبارات الفلسطينية، التى تتعاون معنا فى هذا الموضوع لضمان عدم دخول عناصر إرهابية تخرب مشروع التحرر من حماس»، فيما أنكر أنه يتلقى تمويلًا من السلطة.
وكذلك، نفى «أبوشباب»، فى حديثه مع إذاعة الجيش الإسرائيلى، أى علاقة لمجموعته مع إسرائيل، والجيش الإسرائيلى، قائلًا: «نحن لا نعمل مع إسرائيل، هدفنا هو حماية الفلسطينيين من إرهاب حماس، وسلاحنا ليس من إسرائيل، هو سلاح بسيط جمعناه من السكان المحليين»، كما أنكر أى لقاء مع جهة إسرائيلية فى السنة الأخيرة.
ولم يستبعد إمكانية التنسيق بينه وبين الجيش الإسرائيلى، وقال: «إذا جرى تنفيذ أى تنسيق، فسيكون إنسانيًا، لصالح شعبنا فى شرق رفح، وسيُنفذ من خلال قنوات وساطة».
وأضاف: «ليست لدينا علاقة مع أى دولة أو تنظيم، هذه الشائعات تهدف إلى الإضرار بسمعتنا وخلق حالة من العداء بيننا وإسرائيل والدول العربية».