عن الحب الذى نسيه الجميع

عن الحب الذى نسيه الجميع
عن
      الحب
      الذى
      نسيه
      الجميع

سألنى أحدهم: لماذا اختفت قصص الحب من حياتنا؟ السؤال بدا ساذجًا فى البداية، لكنه دفعنى لمحاولة الإجابة عنه، خصوصًا ونحن نعيش أيامًا مربكة، يتحدث فيها الناس عن الطلاق والانتقام فى الوسط الفنى، ونشاهد فيها المجازر التى يرتكبها الاحتلال الصهيونى ضد شعب محب للحياة ومستعد للتضحية بحياته ولا يترك أرضه، الكاتب فى أيامنا هذه يخجل من الحديث عن الحب، لأنه مطالب بالتعليق على الأحداث، ويعتقد أن تناول قصص الحب لا يتسق مع الصورة الوقورة التى رسمها لنفسه ورسمها له قراؤه، وهو الشخص الذى لا تخلو حياته من قصة حب، غالبًا فاشلة، الشعراء وحدهم هم الذين خلدوا هذه القصص، المشهورون منهم فى التاريخ صنعوا ذاكرة مشتركة للناس بقصصهم، مثل قيس وليلى وعنترة بن شداد وعبلة، وما إلى ذلك، ولكن توجد قصص غير معروفة فيها عذوبة وأسى وجمال لا حدود له، وأثناء تجوالى بين الكتب وعلى صفحات التواصل الاجتماعى صادفت قصتين جميلتين، الأولى بطلها هو الشاعر المتصوف العظيم عمر بن الفارض الذى يحتل منزلة عظيمة فى قلبى، ولى تاريخ مع شعره ومع مسجده فى الأباجية، المسجد الذى قابلت فى جنباته وبالقرب منه أجمل الصداقات وأطيب البشر، يقال إن سيدى عمر وقع فى غرام فتاة، ولأنه كان عفيفًا لم يبح بحبه هذا لأحد، لكنه وهو على فراش المرض قال لأمه إنه أحب فلانة وكانت جارتهم، فلما رأت دنو أجله أرسلت إلى الفتاة لتلقاه فلما اقتربت منه: 

أُخفى الهوى ومدامعى تبديه

وأُميتُه وصبابتى تحييه

ومعذّبى حلو الشمائل أهيف

قد جمعت كل المحاسن فيه

فكأنه بالحسن صورة يوسف

وكأننى بالحزن مثل أبيه 

فلما سمعت هذا الكلام اقتربت منه أكثر فسقطت بقعة شمع على وجهه فأحرقته فتابع قصيدته:

يا حارقًا بالنار وجه محبه

مهلًا فإن مدامعى تطفيه

أحرق بها جسدى وكل جوارحى

واحرص على قلبى فإنك فيه

إن أنكر العشاق فيك صبابتى

فأنا الهوى وابن الهوى وأبيه 

القصة الثانية بطلها شاعر ﺳﻮﺩﺍنى ‏اسمه ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺟﻤَّﺎﻉ ﻓﻘﺪ ﻋﻘﻠﻪ فى ﺁﺧﺮ ﺃﻳﺎﻣﻪ، ﻭﺩﺧﻞ ﻣﺻﺢ ﻋﻘﻠﻰ، ولكن أهله قرروا سفره إلى لندن، حيث العلاج أفضل، ﻭهو فى ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ ﺭﺃﻯ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺑﺮﻓﻘﺔ ﺯﻭﺟﻬﺎ؛ ﻓﺄﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺰﻭﺝ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﻤﻨﻌﻪ فقال: 

ﺃﻋَﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺗﻐﺎﺭ ﻣﻨّﺎ

ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﺫْ ﻧﻈﺮﻧﺎ

هىَ ﻧﻈﺮﺓ ﺗُﻨسى ﺍﻟﻮَﻗﺎﺭ 

ﻭﺗُﺴﻌِﺪ ﺍﻟﺮّﻭﺡَ ﺍﻟﻤُﻌﻧَّﻰ

ﺩﻧﻴﺎى أنت وفرحتى

ومُنى ﺍﻟﻔﺆﺍﺩ ﺇﺫﺍ ﺗﻤﻧَّﻰ

ﺃﻧﺕِ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺑَﺪَﺕ ﻟﻨﺎ

ﻭﺍﺳﺘﻌﺼﻤﺖ ﺑﺎﻟﺒﻌﺪ ﻋﻧَّﺎ 

عباس محمود العقاد أعجب جدًا بالقصيدة، وحين أبلغوه أن كاتبها محجوز فى مستشفى المجانين، ﻗﺎﻝ: ﻫﺫﺍ ﻣﻜﺎﻧﻪ، ﻷﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻪ ﺫﻭﻭ ﺍﻟﻔﻜﺮ! 

ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﺑﺈﺩﺭﻳﺲ ﺟﻤّﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﻟﻨﺪﻥ ﻟﻠﻌﻼﺝ ﺃﻋﺠﺐ ﺑﻌﻴﻮﻥ ﻣﻤﺮﺿﺘﻪ ﻭﺃﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮ فى ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ، ﻓﺄﺧﺒﺮﺕ ﻣﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﺑﺬﻟﻚ؛ ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﺒﺲ ﻧﻈﺎﺭﺓ ﺳﻮﺩﺍﺀ ﻓﻔﻌﻠﺖ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎﺀﺗﻪ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺟﻤﺎَّﻉ ﻭﺃﻧﺸﺪ: 

ﻭﺍﻟﺴﻴﻒ فى ﺍﻟﻐﻤﺪ ﻻ ﺗُﺨﺷﻰ ﺑﻮﺍﺗﺮﻩ

ﻭﺳﻴﻒ ﻋﻴﻨﻴﻚِ فى ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻦ ﺑﺘّﺎﺭ 

وحين ترجم الحضور هذا البيت للممرضة بكت كثيرًا.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق احتجاجات لوس أنجلوس تشتعل.. وخبير يكشف مخطط الديمقراطيين ضد ترامب
التالى السلطان الحائر.. هل قدمت «سيدة المسرح» العرض المجهول فى باريس؟