جريمة لم ترتكبها، لكنها تلتصق بك، تطاردك، وتغير شكل حياتك. هذه هي الفكرة التي أبدعها نجيب محفوظ في أعظم ما كتب: ملحمة الحرافيش، والتي تحوّلت إلى فيلم من بطولة نور الشريف.
في حياتنا، تطاردنا الكوابيس والهموم، أنياب القلق، و"الفتوات" وقرارات لا مفر من مواجهتها. هناك من يسبّ ويلعن، وهناك من يصمت في خضوع وخنوع. لكن الأجمل هو من يتحدّى، يتحوّل، ويقدِر.
في بداية فيلم المطارد، إخراج سمير سيف، تُقتل الجميلة "مهلبية". وبدلًا من أن تكون مصدر سعادة وطوق نجاة لسماحة الناجي "نور الشريف"، تصبح الحبل الذي يخنق أيامه ويهدد حياته.
وهكذا... كثير من تفاصيل حياتنا تضغط علينا، تقهرنا، وتجبرنا على الهروب. ولا حل أمامنا سوى أن نسلك طريقًا آخر.
اليوم، هناك تغيّرات في المناهج: الفلسفة تغيب، والتاريخ يتراجع، وإغلاق قصور الثقافة، حتى وإن كانت في الواقع "كسور". تجاعيد الزمن تقسو على القوى الناعمة. وكأن هناك مطاردين لها، من يحملون النبابيت ضدها... لكنها مطاردة خاسرة بالتأكيد.
الكاتب عباس العقاد أجبرته الظروف أن يكتفي بالشهادة الابتدائية. فهل جلس يبكي حظه؟ كلا، بل كان رائدًا في التثقيف الذاتي، وفي رأيي هو مترجم ممتاز.
في هذا العصر، حيث سهولة الوصول إلى المعرفة، وتعلم اللغات، واكتساب المهارات عبر الكورسات والمنصات التدريبية المختلفة، يبدو الأمر كما لو أن هناك إعلانًا بمصادرة كتاب... فيتحول إلى أكثر الكتب قراءة ورواجًا!
للمفكر الكبير سلامة موسى كتاب مهم جدًا بعنوان "كيف نربي أنفسنا". يتناول فيه ماهية الثقافة، غايتها، قيمتها، ووسائل تحقيقها. لا يخلو شاب من نزعة ارتقائية تبعث فيه الرغبة والنشاط للتثقيف الذاتي، الذي يُعرف بأنه سعي الفرد المستمر لاكتساب المعرفة والمهارات بعيدًا عن الإطار التعليمي التقليدي، حيث يتعلم الإنسان وفق اهتماماته واحتياجاته، من خلال القراءة والاطّلاع المستمر.
ورغم أهمية كتاب سلامة موسى، إلا أن وسائل التثقيف الذاتي الحديثة لم تكن تخطر على باله.
فرغم كل سلبيات السوشيال ميديا، إلا أن لها جوانب إيجابية عديدة... تمامًا كجمال "مهلبية" قبل قتلها في فيلم المطارد.
