كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، اليوم الأحد، في تقرير لها، أنه بعد تجاوز الاقتصاد الأمريكي للتحذيرات الكاذبة بشأن الركود خلال عامي 2023 و2024 يبدو أنه مقبل على صيف جديد تتخلله الكثير من الاضطرابات؛ ورغم أن نمو الوظائف استقر في مايو بإضافة 139 ألف وظيفة، وبقاء معدل البطالة ضمن نطاق ضيق بين 4% و4.2% خلال العام الماضي، إلا أن مؤشرات القلق بدأت تظهر خلف الكواليس.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن العديد من الشركات الأمريكية أعربت عن تخوفها من السياسات التجارية المتقلبة، ما دفعها إلى تجميد قرارات التوظيف والاستثمار.
ضغوط تضخمية جديدة
ويأتي هذا في وقت تتباطأ فيه وتيرة نمو الوظائف، ويشهد فيه سوق الإسكان تباطؤًا ملحوظًا وبالمقارنة مع العام الماضي، أصبحت الاحتياطات الفيدرالية أكثر تحفظًا تجاه خفض أسعار الفائدة، في ظل مخاوف من ضغوط تضخمية جديدة.
وتعتمد استمرارية تماسك الاقتصاد الأمريكي على مدى قدرة المستهلكين على التأقلم مع التغيرات الأخيرة، لا سيما تلك الناجمة عن رغبة الرئيس دونالد ترامب في إعادة ترتيب العلاقات التجارية الامريكية وتقليص الاعتماد على الواردات.
فخلال الأشهر الماضية، أعلن ترامب عن زيادات متتالية وكبيرة في الرسوم الجمركية، مازجًا بين التصعيد والتسويات المؤقتة.
ويتفق معظم الاقتصاديين على أن دخول الاقتصاد في ركود يتوقف على أداء المستهلك الأمريكي، مشيرين إلى أن "الاقتصاد لن يتأثر بشكل جوهري طالما أن المستهلك بخير".
فيما يرى اقتصاديون أن احتمالات الركود تراجعت قليلًا مقارنة بشهري أبريل وأوائل مايو، حين رفعت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على الصين بنسبة 145% ولاحقًا، تم التراجع عن هذه الزيادة لتصبح 30%، بينما تواجه أغلب الدول الأخرى زيادات بنسبة 10%، مع تعليق فرض رسوم أعلى حتى أوائل يوليو.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى ثلاثة مخاطر رئيسية تهدد الاقتصاد الأمريكي، أولها توازن هش في سوق العمل؛ فالشركات لا توظف حاليًا، لكنها أيضًا مترددة في الاستغناء عن العمال الذين جهدت للحصول عليهم قبل ثلاث أو أربع سنوات غير أن أي تراجع مفاجئ في الطلب قد يدفع الشركات إلى تسريح العمال بسرعة.
ثانيا، هناك تباطؤ في الإنفاق الاستهلاكي؛ فالديون المتأخرة على المستهلكين ارتفعت خلال العام الماضي، ما يزيد المخاوف من تأثيرات سلبية على الإنفاق، خاصة بين ذوي الدخل المنخفض.
وفي سوق الإسكان، فشل موسم الربيع في تحقيق التعافي، مع وجود نحو 500 ألف بائع أكثر من المشترين، وهي أكبر فجوة منذ عام 2013، وهناك توقعات بتراجع أسعار المنازل بنسبة 1% هذا العام.
وأخيرا، هناك صدمات الأسواق المالية والتقلب في التوقعات فرغم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل بنسبة 1% العام الماضي، فإنه أوقف الخفض هذا العام بسبب مخاوف من أن الرسوم الجمركية قد تعزز التضخم، وأسعار الفائدة طويلة الأجل لا يحددها بنك الفيدرالي، لكنها ارتفعت بدورها وسط قلق المستثمرين من كيفية تمويل العجز الحكومي المتنامي.
وقد ينعكس أي ارتفاع مفاجئ في تكاليف الاقتراض سلبًا على سوق الأسهم، ويؤثر في أرباح الشركات، ويقلل من جاذبية الأصول، وقد كانت أسعار الأصول المرتفعة حافزًا للاستثمار والاستهلاك بين ذوي الدخل المرتفع.
وقال مستشارو البيت الأبيض، إن هدفهم هو تحسين العلاقات التجارية.
وصرّح ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس، بأن التهديد بنقل سلاسل التوريد يجب أن يكون حقيقيًا لتحقيق نتائج، رغم أن ذلك قد يستغرق وقتًا.
وأشار إلى أنه لا يستطيع تقديم توقع دقيق للتضخم هذا العام "لأن تفاصيل السياسة لم تتضح بعد"، لافتًا إلى أن حزمة خفض الضرائب قيد النقاش في الكونجرس قد تساعد الشركات.
كما رفعت إدارة ترامب الرسوم الجمركية على الفولاذ والألمنيوم من 25% إلى 50%، ما قد يدعم المنتجين المحليين لكنه يضغط على أرباح شركات صناعة السيارات والعلب المعدنية وشركات مثل "تايتان ستيل".
وقال مسؤولون إن العملاء تقبلوا بعض الزيادات في الأسعار لأن المنافسين يواجهون التحدي نفسه.. وأضاف: "نشعر وكأننا نحاول تجاوز المرحلة بصعوبة، لا نحن، ولا عملاؤنا، ولا موردونا في الخارج، قادرون على وضع خطط طويلة الأجل".
ورغم أن البنك الفيدرالي رفع الفائدة بقوة عامي 2022 و2023، فقد بقي الاقتصاد متماسكًا بسبب لجوء الأسر والشركات إلى التمويل منخفض الفائدة خلال الجائحة.
وحقق الاقتصاد لاحقًا دفعة إضافية من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي.. لكن كبار الاقتصاديين الأمريكيين، يحذرون من تراجع مفاجئ، قائلين: "نادرًا ما يشهد الاقتصاد صدمة تكنولوجية بهذا الحجم دون أن تؤدي إلى فائض استثماري".
وتجنبًا للمخاطر، تريثت بعض الشركات في رفع الأسعار بانتظار استقرار الرسوم الجمركية.
واختتمت "وول ستريت جورنال"، تقريرها بأن تراجع أسعار الطاقة قد يوفر متنفسًا؛ فانخفاض أسعار الطاقة في الآونة الأخيرة قد يخفف من بعض الضغوط التضخمية الناتجة عن الرسوم الجمركية ومع أن الرؤساء غالبًا ما يحصلون على مبالغات في الإشادة أو اللوم بشأن الأداء الاقتصادي، فإن هذه المرة قد تكون استثناءً.