"الكنز الضائع".. جلود الأضاحي ثروة مهدرة أم مورد اقتصادي واعد؟

في أيام عيد الأضحى، تتردد تكبيرات العيد بين الأزقة، وتعمّ رائحة الذبائح الشوارع، بينما تفيض المسالخ والمنازل باللحوم والدماء والجلود، وبينما تتجه أنظار الناس نحو لحم الأضحية كقيمة دينية وغذائية، تُنسى الجلود، وتُلقى في القمامة أو تُترك لتتحلل تحت حرارة الشمس، حيث آلاف الأطنان من الجلود تُهدر سنويا في العالم العربي، رغم أنها تمثل ثروة اقتصادية ضخمة قد تدر الملايين إذا أحسنا جمعها وتخزينها وتصنيعها.

فهل نحن أمام فرصة اقتصادية ضائعة؟ أم أن هناك من يحاول بالفعل إعادة الحياة لهذه “الثروة المنسية”؟ في هذا التقرير ستعرض لكم “الدستور” ملف جلود الأضاحي، من لحظة الذبح وحتى أسواق الجلود العالمية.

جلود الأضاحي.. المورد الذي لا يُستغل

تنتج الدول الإسلامية في عيد الأضحى كميات هائلة من جلود الأغنام والماشية، لكن جزءا كبيرا منها يتعرض للتلف أو الإهمال، حيث إنه في مصر وحدها، تُهدر آلاف الجلود كل عام بسبب سوء الجمع وعدم وجود بنية تحتية مهيأة للتعامل معها، رغم أن الجلد الواحد يمكن أن يباع مقابل مئات الجنيهات بعد تصنيعه.

وفي الوقت الذي تعاني فيه بعض الصناعات من نقص المواد الخام، نجد أن جلود الأضاحي، وهي خامة محلية متجددة سنويا، يتم تجاهلها تماما أو استخدامها بأقل من إمكاناتها، رغم أهميتها في الصناعات الجلدية مثل الأحذية، والحقائب، والملابس، وحتى الأثاث.

بين الذبح والتلف.. ضياع يبدأ مبكرا

رحلة ضياع الجلد تبدأ من لحظة الذبح، فالكثير من الجزارين يفتقرون إلى المهارة في السلخ، مما يؤدي إلى تمزق الجلد أو ثقبه، فيفقد قيمته السوقية، حتى عندما يتم السلخ بعناية، فإن الجلد يكون عرضة للتلف السريع إذا لم يتم تمليحه وتخزينه بطريقة صحيحة خلال ساعات معدودة.

وغياب الوعي لدى المواطنين بعدم أهمية التمليح الفوري، وندرة مراكز الجمع القريبة، يجعلان أغلب الجلود تتحول إلى نفايات عضوية يصعب الاستفادة منها لاحقا، وبدلا من أن تنتقل هذه الجلود إلى مصانع الدباغة، تجد طريقها إلى مكبات النفايات أو يتم حرقها في الشوارع، مسببة خسائر اقتصادية وبيئية.

التصنيع المحلي.. طموحات تصطدم بالواقع

صناعة الدباغة، وهي المرحلة الأساسية لتحويل الجلد الخام إلى منتج يمكن استخدامه، موجودة بالفعل في عدة دول عربية، ففي مصر، تعتبر منطقة الروبيكي أبرز مركز لصناعة الجلود بعد نقلها من سور مجرى العيون، لكن القدرات الصناعية لا تزال أقل بكثير من الكميات المنتجة في موسم العيد.

أما في المغرب، فتوجد مدابغ تقليدية وحديثة، خاصة في فاس ومراكش، والتي تعتمد جزئيا على جلود الأضاحي، إلا أن التحدي الأكبر يبقى في التنسيق بين الجهات المعنية.

وعن السودان، ورغم أنها من البلاد الأكثر إنتاجا للماشية، إلا أن ضعف البنية التحتية يحد من إمكانية التوسع في تصدير الجلود، خاصة بعد فرض قيود على تصدير الجلد الخام.

الجمعيات الخيرية.. مبادرات تحت الضغط

تحاول بعض الجمعيات الخيرية، مثل بنك الطعام المصري، وجمعية رسالة، جمع جلود الأضاحي من المواطنين لبيعها، وتوجيه العائد لدعم المشروعات الخيرية، لكن هذه المبادرات تظل محدودة الأثر، بسبب عدم وجود آلية منظمة على نطاق واسع، ونقص الموارد اللوجستية، بالإضافة إلى ضعف تجاوب الجمهور في كثير من الأحيان.

باكستان والهند.. كيف تحولت الجلود إلى تجارة رابحة؟

على النقيض، نجد دولا مثل باكستان والهند تحولان موسم الأضاحي إلى فرصة اقتصادية كبرى، حيث يتم تجميع الجلود بطريقة منظمة من خلال تعاون بين البلديات والجمعيات، والتي تنتقل مباشرة إلى مراكز متخصصة للفرز والتمليح والتجهيز.

ومن هنا، يتم تصدير كميات كبيرة من الجلود إلى الصين وأوروبا، حيث تعد هذه العملية مصدرا هاما للعملات الأجنبية، ولا يوجد فارق بين  هذه الدول والعالم العربي في الموارد، بل في التنظيم، وسرعة التحرك، واستثمار البنية التحتية لصالح اقتصاد موسمي.

ثغرات في التشريعات وانعدام التنسيق

يرى عدد من الخبراء أن غياب سياسة وطنية واضحة لجمع ومعالجة جلود الأضاحي هو أحد أسباب الفشل في الاستفادة منها، فلا توجد إلزامات واضحة أو تعليمات موحدة على مستوى المحافظات، كما أن التعاون بين الجهات الحكومية، مثل وزارات البيئة، والزراعة، والصناعة، لا يزال ضعيفا.

حتى الصناعات الجلدية نفسها تشتكي من ارتفاع أسعار الجلد المحلي الجيد، وذلك بسبب ندرته، مما يجبر بعض المصانع على استيراد جلود جاهزة من الخارج، رغم أن المادة الخام تتوافر محليا بكميات ضخمة في أيام العيد.


الحل في الوعي والتخطيط الموسمي

والحل في هذه الأزمة الكبيرة، يبدأ برفع وعي الناس بأهمية الجلد، وتدريب الجزارين على السلخ السليم، وتوفير نقاط جمع فورية في الأحياء، مثلما يحدث في جمع الزيوت المستعملة، كما يمكن إطلاق حملات توعية قبل العيد بأسابيع، لتغيير سلوك الناس في التعامل مع الجلد، فضلا عن إمكانية إطلاق الحكومة شراكات مع القطاع الخاص لتطوير مصانع المعالجة والدباغة، وإتاحة منافذ شراء مباشرة من المواطنين أو الجمعيات، مما يحول هذا المورد الموسمي إلى نشاط اقتصادي دائم.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق صدام العمالقة: ترامب يهدد ماسك بعواقب وخيمة وسط تصاعد الخلافات السياسية والمالية
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل