الخميس 05/يونيو/2025 - 03:26 م 6/5/2025 3:26:05 PM
لاشك عزيزي القارئ الكريم أنك نزلت من بيتك خلال هذا الأسبوع وبالتأكيد لاحظت، أينما كان محل سكنك، ما رأيته وغيري من لافتات تملأ الشوارع بل والحواري والأزقة، وتغمر الميادين تحمل التهاني بمناسبة عيد الأضحى. تلك اللافتات هي بالتأكيد في هذا العيد أضعاف أضعاف ما كنا نشاهده خلال الأعياد على مدى السنوات الأربع الماضية. الأمر لا يحتاج إلى تفكير طويل، إنها الانتخابات يا عزيزي، موسم وكل يسعى خلاله وبطريقته إلى استغلاله بالطريقة التي تفيده وتحقق أهدافه. ففي هكذا مناسبات ينبري المتطلعون للترشح في الانتخابات البرلمانية للتعريف بأنفسهم وتقديم ذواتهم للناخبين، وخاصة أن الاستحقاقات البرلمانية القادمة قد أوشكت. فكما تشير الأنباء الواردة عن المصادر المطلعة أن موعد انتخابات الشيوخ قد يكون منتصف أغسطس القادم، في حين تتوقع المصادر ذاتها أن يتبع ذلك انتخابات مجلس النواب والمنتظر أن تكون خلال الثلث الأول من شهر نوفمبر من العام الجاري.
و بناء عليه فقد شمر كل المرشحين المتوقعين – وما أكثرهم - سواء كانوا أعضاء في المجلسين حاليا، أو مرشحون محتملون من الآملين في كسب ثقة الناخبين بطرح أنفسهم للرأي العام وأبناء دوائرهم. وهؤلاء وأولئك، بل وبعض الأحزاب أيضا قرروا تقديم أنفسهم من خلال مقدمة تقليدية، عبارة عن لافتات تهنئة بمناسبة العيد. وقد لاحظنا سعي بعضهم لإبراز ملاءته المالية مبكرا لإظهار العين الحمراء لمنافسيهم المحتملين، وإبلاغ الناخبين الشرفاء أن هذا المرشح جاء ليلبي له أحلامه، ولديه من المال ما يمكّنه من هذا، والدليل هو هذا السخاء في الدعاية وذلك التكثيف في اللافتات، بحيث يسهل للمهتم أن يجد بين كل لافتة وأخرى لافتة ثالثة في مربع لا يتجاوز عشرات الأمتار !!
مبلغ ظني، وربما يوافقني قارئي الواعي، أن تلك حيل لم تعد تؤتي أُكُلها مع الناخب المصري. أذكر ونحن صغار في قريتنا أن كبار القرية ورؤوس العائلات كانوا يستقبلون كل المرشحين في مضيفة العائلة، كواجب أو بروتوكول، بينما هم قد عقدوا العزم وقرروا لمن ستذهب أصواتهم وأصوات عائلاتهم، بما تقتضيه المصلحة العامة للقرية وليس المصلحة الشخصية القاصرة. ومن ثم لم تكن للافتة انتخابية أن تؤثّر في توجه الناخبين سواء كانت تلك لافتة تهنئة بعيد أو حتى مواساة في صحيفة واسعة الانتشار على سبيل تعزية كبير في عزيز لديه، لكن لغة المصالح المتبادلة تبقى هي الفيصل في نهاية المطاف لحسم أي معركة انتخابية. غير أن تلك المصالح للأسف تحولت إلى منافع شخصية في غالب الأحوال، وليست منافع عامة تعم فائدتها ونفعها على كل أبناء الدائرة.
و لذلك فقد طرحت على نفسي سؤالا جوهريا يقول: ماذا لو وفر المرشح المحتمل على نفسه أعباء الدعاية المكلفة جدا، ووجّه مخصصاتها المالية نحو سد بعض حاجات الناس والتي تزايدت جراء الوضع الاقتصادي المتأزم لمعظم الأسر ؟ ألا يكون كيلو من لحم الأضحية بابا للترويج لرجل الخير ومحفزا أكثر فاعلية للناس على انتخابه بدلا من اللافتة التي يخاطب بها جمهوره الذي لا يجيد القراءة أصلا ؟ أليس في تلبية حاجات الناس المُلحة أثرا أبقى وأكثر رسوخا من مصروفات دعاية لا تؤتي ثمارها، بل قد تثير حفيظة الناخبين وتستدعي غيظهم ؟
أبواب الخير كثيرة، والمحتاجون لها أكثر بكثير، فياليت مرشحينا يعلمون بها وبمن ينتظرها من المتعففين قبل المتسولين، فيسعون إليهم بها فتلك هي الدعاية الحقيقية التي يربح فاعلها وينال من خير الدنيا وحسن ثواب الآخرة. أعرف أحد النواب الحاليين في إحدى غرفتي البرلمان – زاده الله توفيقا – فتح الله عليه بالرزق الوفير، فقرر أن يتوقف عن تلبية المطالب الشخصية الفئوية، وسعى إلى سد حاجات جماعية مُلحة للناس عامة في دائرته وخاصة المعوزين. وأتابع أخبار جمعيته الخيرية التي أسسها وقد استهدفت خلال هذا الموسم تعبئة وتوزيع عشرة آلاف " شنطة خير " معبأة باحتياجات أساسية تحتاجها الأسر بشدة،وسط غلاء فاحش في الأسعار زاد من أعداد المعوزين وهبط بكثير من أفراد الطبقة المتوسطة إلى ما دونها. وهو ما استلزم تدخلا عقلانيا من أهل الخير بمد يد العون والمساعدة لأولئك المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافا، بل يمنعهم حياؤهم ذل السؤال. كما سمعت عن جمعية أخرى وفر مجلس إدارتها وجبات دسمة ساخنة لأسر بكاملها خلال شهر رمضان الماضي، وكان القائمون عليها يختارون شارعا أو دربا من الدروب كل يوم لتوزيع تلك الوجبات على المحتاجين من سكانه بكل رقي والتزام وحتى باب بيوتهم دون تكدس ودون فضيحة للمتعففين.
و رغم تدخل الدولة بزيادة ضخ ميزانيات إضافية لبرامج الحماية الاجتماعية مثل " تكافل وكرامة " ودعم الخبز والسلع الغذائية " التموين"، وغيرها من البرامج التي تستهدف الطبقات الفقيرة والهشة ، إلا أن معدل الفقر بلغ نحو 29،7 % وفق آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في سبتمبر 2020، فيما يشيع البعض أرقاما أضخم من ذلك بكثير. الأمر الذي يستلزم أن يمد القادرون أياديهم ويبادروا نحو مشاركة الدولة جهودها لتقليل هذه النسبة ومنع زيادتها على ضوء الارتفاعات الاضطرارية في أسعار الوقود والسلع والخدمات. وهنا لن يجد أهل الخير موسما للعطاء أفضل من مواسم الأعياد والأضاحي لسد حاجات الناس بما ينفعهم ويسد حاجتهم لأسابيع وربما لأشهر كاملة.
مرحبا بموسم الانتخابات وأهلا بكل من يرى في نفسه القدرة على خدمة الناس، ولكن نتمنى أن تكون تلك الخدمات في صورة رشيدة تحكمها قاعدة نفع المواطن بمنفعة مباشرة تسد حاجته وتلبي تطلعاته. ساعتها لن يجد هذا المرشح جهدا كبيرا في إقناع الناخب بالنزول لصندوق الانتخابات، لأن وفاء شعبنا سيفاجئه حين يرى طوابير الناخبين وقد اكتظت لترد له الدين وتكافئه بصوتها الانتخابي ثقة فيه، فضلا على الثواب العظيم الذي ناله من المولى عز وجل.