فى مواجهة تجارة الموت

الأربعاء 04/يونيو/2025 - 01:53 م 6/4/2025 1:53:17 PM

يكاد لا يمر يومًا واحدًا إلا ونحن نسمع أو نقرأ عن خبر القبض على عصابة تقوم بإلإتجار فى المخدرات فى صعيد البلاد أو إحباط عملية تهريب مخدرات على حدود البلاد ولم تعد وزارة الداخلية بمفردها هى التى تقوم بتلك المواجهات بل أن قوات حرس الحدود أيضًا أصبحت توجه العديد من الضربات القوية لمهربى المخدرات برًا وبحرًا.
أن المتابع لخريطة إنتشار المخدرات خلال الأعوام الأخيرة يلاحظ أن ثمة تطورًا قد طرأ على مجال المكافحة خاصة وإنه طوال تلك الفترة تعاقب على سوق المخدرات العديد من الأنواع سواء المزروعة أو المستحدثة والمصنعة حيث بدأت بزراعة الأفيون وبعد إنحسار إنتشاره بفضل جهود رجال المكافحة إتجه البعض إلى تجارة الحشيش ومن بعده الهيروين والكوكايين إلى أن ظهرت المخدرات التخليقية مثل الأستروكس والشابو والآيس والفودو وغيرها وللأسف الشديد فإن الفئة المستهدفة دائمًا لتلك الأنواع هى الشباب بل وأحيانًا الصبية الذين لم يتجاوز أعمارهم 12 عام ولعل من أسباب إنتشار تلك المخدرات التخليقية أن سعرها أقل من الأنواع الأخرى بالإضافة الى سهولة تصنيعها بإستخدام مواد سامة تعرض الشباب لمخاطر كبيرة وتسبب الإدمان بشدة كما تسبب الإصابة بالهلوسة وتليف فى خلايا المخ وهانحن نرى على صفحات التواصل الإجتماعى فى هذه الأيام العديد من الشباب وهم يترنحون فى الطرقات والشوارع دون أى تركيز أو وعى بالشكل الذى يجعلهم يلجئون إلى إستخدام السلاح الأبيض والإعتداء على الماريين فى الشوارع التى يتواجد بها هؤلاء المدمنين.
إن الإحصائيات اليومية للمخدرات التى يتم ضبطها بأشكالها المختلفة أصبح من الصعب حصرها خلال الآونة الأخيرة كما هو الحال بالنسبة لجرائم غسيل الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات وهو ما يشير إلى أن بلادنا أصبحت مستهدفة أكثر من أى وقت آخر وهو الأمر الذى يستلزم منا جميعًا أن نتكاتف لمواجهة تلك الجرائم بكافة أشكالها وأنواعها.
لقد أرتفعت نسب تعاطى المخدرات مؤخرًا فى مصر بشكل مقلق إذ تشير آخر الإحصائيات أن نسبة 5.9% من عدد المواطنين تتعاطى المواد المخدرة خاصة من الفئة العمرية 15 الى 64 عامًا وأن 45.1% منهم تتراوح أعمارهم بين 20:15 عامًا وأن تلك الزيادة وصلت الى حدها الأقصى خلال عامى 2012 الى 2014 إبان فترة الإنفلات الأمنى حيث بدأ إنتشار المخدرات المصنعة على نطاق واسع.
ولعل الجرائم التى إرتكبت مؤخرًا بسبب الإدمان توضح لنا بشكل بين مدى خطورة تعاطى هذه النوعية من المخدرات خاصة تلك المرتبطة بمخدر الشابو ومن بين هذه الجرائم  قيام أحد المدمنيين بقتل رجل فى محافظة الإسماعيلية وقيامه بفصل رأسه عن جسده والتجول بها فى الشوارع... وفى محافظة قنا قام شاب مدمن بقتل أشقاءه الثلاثة بسبب مشاجرة نشبت بينهم دون اى مبررات.... اما فى محافظة الفيوم فقد أقدم احد المدمنيين على قتل زوجته وطفلها وشقيقه زوجته تحت تأثير المخدر.... وكذا فى محافظة الأقصر حيث قام شاب بقتل جاره وفصل رأسه عن جسده وشرب من دمائه مما أدى الى حالة من الهلع بين السكان.
وفى تطور لافت فقد ظهر مؤخرًا أشكال جديدة من حالات الإدمان التى تؤثر على  خلايا المخ دون أن يكون ذلك بسبب تعاطى المخدرات وهى ما أطلق عليها "المخدرات الرقمية" وهى عبارة عن مقاطع صوتية بترددات معينة تؤثر على العقل بنفس الطريقة التى تسببها المخدرات العادية أو المخلقة.... وتأتى خطورة هذه النوعية إنه يتم سماعها بإستخدام سماعات الرأس حيث ترسل ترددات مختلفة إلى كل أذن على حدة حيث يترتب على الفرق بين الترددين حدوث تغيير فى نشاط الدماغ ما يسبب الشعور بالنشوة أو الإسترخاء أو حتى الهلوسة وهى حالات مشابهة لتأثير المخدرات التقليدية.... وتتمثل خطورة هذه النوعية أنها سريعة الإنتشار بين الشباب والمراهقين وذلك لسهولة الوصول اليها عبر الإنترنت بدون أى تكلفة مالية وتسبب بالفعل حالة من الإدمان من كثرة اللجوء والإستماع إليها بشكل مفرط بحثًا عن الهروب من الواقع كما تعتبر وسيلة آمنة للإدمان دون أن يتعرض مستخدموها لأى ملاحقات أمنية...وهنا يأتى دور الأسرة تحديدًا فى متابعة ما يستمع اليه الأطفال والمراهقون من موسيقى تذهب بعقولهم وشعورهم مع تعزيز الأنشطة البديلة مثل الإنخراط فى أنشطة رياضية أو فنية تشبع إحتياجاتهم النفسية بطرق إيجابية.
هكذا نرى تلك الجهود المضنية التى تبذلها الدولة والتى يجب أن تتعاون معها العائلات والأسر المصرية فى مواجهة واحدة من أشرس الحروب التى تكافحها الدولة والتى تستهدف تدمير شبابنا بالعديد من الطرق والإغراءات المختلفة والهدف منها واضح وهو تفريغ الدولة من سواعدها وعقولها سعيًا لهدمها...ومن هنا فلم تعد أجهزة المكافحة وجهودها قاصرة على مواجهة تجار الموت فقط بل إنها قامت مؤخرًا بمهام أخرى جليلة تأتى فى ذات السياق....حيث تولت وزارة الداخلية حملات توعية شاملة ضد مخاطر تعاطى المخدرات شملت طلبة المدارس والجامعات فى جميع محافظات الجمهورية وقامت خلالها بعرض أفلام تسجيلية ولقاءات مسجلة مع ضحايا الإدمان لتكون وسائل إرشاد للطلبة والطالبات... كما شارك صندوق مكافحة وعلاج الإدمان بأنشطة فى ذات الإتجاه ضمن قوافل السعادة لمؤسسة حياة كريمة والتى شملت أيضًا توعية الأطفال بمخاطر وأضرار التدخين وتصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الشباب عن التعاطى وكون المخدرات إحدى وسائل تغييب العقول ولا تساعد إطلاقًا على تنشيط الذاكرة أو شحذ الهمم....هذا بالإضافة الى تعظيم التشريعات الخاصة بجرائم تهريب المخدرات حيث يفرض القانون المصرى عقوبات تصل الى حد الإعدام أو السجن المؤبد بعدما أصبحت المخدرات خاصة مخدر الشابو يمثل تهديدًا حقيقيًا على الأمن العام وصحة المجتمع نظرًا للتوسع فى تصنيعه محليًا وتوافره بأسعار منخفضة تجعله فى متناول فئات واسعة من المجتمع.
إن تلك المواجهة تتطلب بجانب ما أشرنا اليه ضرورة تضافر جميع أجهزة الدولة خلال المرحلة الحالية وتأتى على رأسها المؤسسة الدينية على إعتبار أن الوازع الدينى والضمير الأخلاقى هما قاعدة بناء السلوك الإنسانى لدى الطفل منذ نعومه أظافره وحتى إدراكه بخطورة الإدمان وهنا يأتى دور المسجد والكنيسة والمدرسة وقبلهم جميعًا الأسرة ومراقبة الأصدقاء وسلوك الأبناء فبدون رقابة الأسرة لن تحقق أجهزة الدولة مجتمعه النجاح المنشود...إنها دعوة للصحوة أوجهها لكل مسئول عن الحفاظ على أبناء الوطن فى مواجهة تجارة الموت.
ألا هل قد بلغت....اللهم فأشهد.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق تعرف على سعر الدولار في بداية التعاملات اليوم الجمعة 6 يونيو 2025
التالى مستقبل وطن يشارك الأطفال فرحة العيد بمنطقة الغريب بحى السويس