الثلاثاء 03/يونيو/2025 - 07:58 م 6/3/2025 7:58:01 PM

بعد أن أضاءت مسارح مصر والوطن العربى لأكثر من ٧ عقود، أسدل القدر الستار الأخير على حياة الفنانة القديرة وسيدة المسرح العربى، سميحة أيوب، فى منزلها بحى الزمالك، تاركة وراءها إرثًا فنيًا يُختزل فيه تاريخ المسرح المصرى الحديث.
وُلدت سميحة أيوب فى ٨ مارس ١٩٣٢ بحى شبرا الشعبى، حيث تلقت تعليمها الأول بين جدران مدرسة الراهبات، قبل أن تلتحق بمعهد الفنون المسرحية فى سن الـ١٤، لتصبح أصغر طالبة فى تاريخ المعهد آنذاك، وتحت إشراف عميد المسرح العربى زكى طليمات، تخرجت عام ١٩٥٤ حاملة معها أدواتها الفنية التى صقلتها لتصبح أيقونة المسرح.
بدأت «سميحة» مسيرتها الفنية فى أوائل الخمسينيات، وشاركت فى العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية والتليفزيونية، وقدمت أكثر من ٤٥٠ عملًا فنيًا، منها نحو ١٧٠ مسرحية، و٤٠ فيلمًا، و٢٠ مسلسلًا تليفزيونيًا.
وانضمت إلى المسرح القومى المصرى، وصارت مديرة له مرتين فى الفترة بين ١٩٧٥و١٩٨٩، كما تولت إدارة المسرح الحديث بين عامى ١٩٧٢ و١٩٧٥، وتُعد أول سيدة فى الوطن العربى تتولى إدارة فرقة مسرحية تابعة للدولة، ثم تولت إدارة فرقة المسرح القومى مرتين، الأولى من عام ١٩٧٥ حتى ١٩٨٢، والثانية من عام ١٩٨٤ حتى ١٩٨٩.
وخلال فترة إدارتها، قدمت العديد من العروض المتميزة، أبرزها «عودة الغائب»، و«طائر البحر»، و«دماء على ملابس السهرة»، و«الأستاذ»، و«المهاجر»، كما قدمت للفن المصرى والعربى إرثًا فنيًا خالدًا، وبلغ رصيدها المسرحى على مدار مشوارها الفنى نحو ١٧٠ مسرحية، وهى التى استطاعت أن تعيد الانضباط إلى المسرح القومى واستكمال مسيرة الإنتاج المتميز بفرقته.
وبخلاف التمثيل والإدارة، شاركت فى مجال الإخراج أيضًا، وأخرجت أكثر من عرض مسرحى؛ منها «الباسبور» تأليف فتحية العسال، و«مقالب عطيات» تأليف موليير، و«ليلة الحنة» تأليف فتحية العسال.
تكريمات لا تنتهى.. وتقدير الرئيس السيسى لها الأقرب لقلبها
أبدعت سميحة توفيق فى المسرح من خلال العمل مع أجيال مختلفة من المخرجين، فى مقدمتهم جيل الرواد يوسف وهبى وزكى طليمات، وفتوح نشاطى، أو خريجو الدفعة الأولى من معهد التمثيل وهم نبيل الألفى وحمدى غيث، وعبدالرحيم الزرقانى، كما شاركت أيضًا فى عروض بعض أعلام الإخراج فى فترة الستينيات، وفى مقدمتهم سعد أردش، وكرم مطاوع، وجلال الشرقاوى، وأحمد عبدالحليم، وكمال يس، وسعيد أبوبكر، وسمير العصفورى. ويعود لها الفضل فى تشجيع واكتشاف موهبة جيل جديد من المخرجين، منحتهم فرصة التألق من خلال مشاركتها معهم فى أعمالهم؛ من بينهم عبدالرحمن أبوزهرة عبر مسرحية «الشيخ متلوف ٧٠»، وشاكر عبداللطيف فى «رابعة العدوية»، وعبدالغفار عودة فى «ست الملك»، وعادل هاشم فى «ما أجملنا»، وغيرهم.
وحصلت على العديد من الجوائز والتكريمات، منها وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام ١٩٦٦، ووسام بدرجة فارس من الرئيس الفرنسى جيسكار ديستان بعد تقديمها مسرحية «فيدرا» على مسرح «أوبرا باريس».
وكانت الراحلة تعتز كثيرًا بالتكريمات التى حصلت عليها، على رأسها تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى قبّل جبهتها تقديرًا لمسيرتها الفنية، ووصفته بأنه الأقرب لقلبها، إلى جانب تكريم المهرجان القومى للمسرح المصرى الذى حملت إحدى دوراته اسمها، وأعربت مرارًا عن سعادتها باهتمام الدولة بالفن والفنانين، واعتبارهم «الأيدى الناعمة» التى تنشر الوعى والثقافة، كما أدرج اسمها فى كتاب المهارات والأنشطة للصف السادس الابتدائى المصرى عام ٢٠٢٣، لتكون نموذجًا يُحتذى به للأجيال القادمة. عاشت سميحة أيوب حياة شخصية مليئة بالتجارب، فقد تزوجت ٣ مرات من داخل الوسط الفنى، وكان لكل تجربة منها تأثيرها على حياتها ومسيرتها، حيث تزوجت من الفنان محسن سرحان، ورزقت منه بابنها «محمود»، كما تزوجت من الفنان محمود مرسى، الذى طلب منها التفرغ للبيت ولابنهما «علاء»، وعندما رفضت طلقها غيابيًا، ثم تزوجت الكاتب سعد الدين وهبة ودام زواجهما ٣٥ عامًا، قامت خلالها ببطولة جميع مسرحياته، وبعد رحيل سعد الدين وهبة، تزوجت من المخرج التليفزيونى أحمد النحاس، وانتهى زواجهما بالطلاق. وكان آخر مشاركاتها المسرحية على خشبة المسرح عام ٢٠٠٩ بمسرحية «يا إحنا يا هى»، وقدمت الأداء الصوتى لمسرحية «ألمظ وسى عبده» من تأليف الدكتور الراحل مصطفى سليم وإخراج مازن الغرباوى التى تم تقديمها على مسرح «البالون» بالعجوزة.
وكان آخر أعمالها فى الدراما مشاركتها فى مسلسل «حضرة العمدة»، الذى عُرض خلال الموسم الرمضانى لعام ٢٠٢٣، من تأليف إبراهيم عيسى وإخراج عادل أديب، وبطولة روبى، وأحمد رزق، ومحمود عبدالغنى، وبسمة، وعدد كبير من النجوم.
ملهمة الأجيال.. وحافظت على حضورها الفنى رغم التحديات
آخر عمل فنى سينمائى لها كان فيلم «ليلة العيد»، الذى طرح فى شهر يناير ٢٠٢٤، بطولة النجمة يسرا، ودارت أحداثه فى إطار درامى، يتناول قضايا المرأة من خلال معاناة عدة سيدات يعشن على جزيرة ما، وتتعرض السيدات لعدة مشاكل وأزمات بسبب عدم تفهم بعض الرجال لحقوقهن.
وابتعدت بعد ذلك عن الأنظار لعدم توافر الدور المختلف الذى يجذبها ويثير حماسها كممثلة متمرسة، وهذا ما أكدته من قبل فى أحد لقاءاتها، قائلة: «أنا مش بشتغل لمجرد التواجد.. بدور على حاجة تضيف لى وللمشاهد».
ورفضت سميحة أيوب الأعمال التى تروج للعنف أو البلطجة، واعتبرت أن الفن الحقيقى هو الذى يناقش القضايا الإنسانية والاجتماعية بعمق وصدق، وعبرت عن إعجابها بالتجارب الدرامية التى تقرّب الأجيال من بعضها البعض وتعكس نبض المجتمع.
وتحدثت كثيرًا عن تأثير الفنانة الراحلة أمينة رزق عليها، ووصفتها بأنها مدرسة فنية قائمة بذاتها، كما أشادت بتجربتها مع النجم الراحل ممدوح عبدالعليم فى مسلسل «الضوء الشارد»، واعتبرته من أقرب الأعمال إلى قلبها.
وقبل رحيلها، كانت سميحة أيوب قد وصلت لحالة من الرضا التام عن كل ما قدمته، معبرة عن فخرها بتاريخها وامتنانها لما حققته من نجاحات، مؤكدة أنها عاشت فى خدمة الفن والثقافة طوال حياتها.
وعلى الرغم من التحديات الصحية التى واجهتها فى السنوات الأخيرة، فإنها ظلت محافظة على حضورها الفنى النادر، مستمرة فى إلهام الأجيال الجديدة من الفنانين.
بدوره، عبّر الدكتور أشرف زكى، نقيب المهن التمثيلية، عن مدى خسارة الوسط الفنى برحيلها، منوهًا إلى أنها لم تكن تعانى من أى أمراض فى الآونة الأخيرة كما تداول البعض.
وأضاف: «فقدنا قيمة فنية وإنسانية عظيمة، سيدة المسرح العربى، التى آثرت حياتنا الفنية بأعمالها الخالدة ومواقفها الداعمة للوسط الفنى، كانت مثالًا للرقى، وعلمًا من أعلام الثقافة فى مصر والعالم العربى».
وتابع: «فقد الوسط الفنى العربى واحدة من أعظم أيقونات الفن والثقافة، الفنانة القديرة سميحة أيوب، التى امتدت مسيرتها لأكثر من سبعين عامًا حافلة بالعطاء والإبداع، وترك رحيلها فراغًا كبيرًا فى قلوب محبيها وزملائها الذين رافقوها طوال مشوارها».
كانت أصغر طالبة فى معهد الفنون المسرحية بسن 14 عامًا
تلقت تعليمها المسرحى على يد الفنان القدير زكى طليمات
قدمت 170 مسرحية و40 فيلمًا و20 مسلسلًا تليفزيونيًا
أول سيدة فى الوطن العربى تتولى إدارة فرقة مسرحية تابعة للدولة