
- قال إن الدور المصرى فى دعم القضية الفلسطينية ناضج ومشرف وقائم على السلام والتنمية لا الشعارات والتصعيد
- كلمة الرئيس السيسى فى «قمة بغداد» كانت قوية وعكست التوازن الأخلاقى والقانونى للدولة المصرية
- لا يوجد لدينا «سيستم عربى».. وغياب القادة عن القمة العربية أوضح أن التنسيق فى أضعف حالاته
- ليبيا فى بداية حرب أهلية حقيقية بعد أن تحولت إلى مجمع للمرتزقة والميليشيات
- ما يحدث فى السودان نتاج ضعف الدولة الوطنية والجرائم هناك لا تقل قسوة عن غزة
- رفع العقوبات عن سوريا خطوة إيجابية تدعم الاستقرار الإقليمى وتُحد من تهريب الأسلحة
قال الكاتب والمفكر السياسى الدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس المجلس الاستشارى بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، عضو مجلس الشيوخ، إن الوضع فى الأراضى الفلسطينية يمر بأزمة عميقة بسبب تشرذم الفصائل وضعف النخبة السياسية، بالتزامن مع مرور إسرائيل بـ«حالة إخوانية»، مشيرًا إلى أن الدور المصرى فى دعم القضية الفلسطينية ناضج ومشرف، ويتحرك فى إطار الإمكانات المتاحة، وهو ما أكدته كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى القمة العربية الأخيرة التى انعقدت ببغداد، والتى كانت قوية وواضحة وعكست التوازن الأخلاقى والقانونى للدولة المصرية.
وأوضح «سعيد»، خلال حديثه لـ«الدستور»، أن العالم يشهد مؤخرًا تحوّلًا كبيرًا مع عودة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واصفًا إياه بأنه نموذج نادر لـ«تأثير الفرد» فى التاريخ، مع الإشارة إلى أن زيارته لدول الخليج العربى كانت مبنية على منطق «التاجر»، ولم تكن تهدف لـ«شراء الحماية» وإنما عبرت عن شراكة اقتصادية- أمنية متبادلة، وسط مشهد عالمى يتغير بسرعة.
ووصف الوضع فى ليبيا بالمعقد، خاصة فى ظل فشل النخبة السياسية وانتشار الميليشيات المسلحة، ما يضع البلاد على حافة حرب أهلية، لافتًا إلى أن ما يحدث فى السودان يعد نتاج ضعف الدولة الوطنية، ما أدخل البلاد فى احتراب أهلى عنيف، وجرائم لا تقل قسوة عن الجرائم الإسرائيلية فى قطاع غزة.
■ بداية.. كيف ترى الوضع فى الأراضى الفلسطينية مع استمرار العدوان الإسرائيلى؟
- الوضع فى الأراضى الفلسطينية سيئ للغاية، فالنخبة السياسية الفلسطينية حاليًا ليست على قدر المسئولية ولا تواكب حجم التحديات، وقد كانت لديها فرص عديدة، لكنها لم تحسن استغلالها.
بداية ظهرت حركة حماس فى الثمانينيات، ومنذ ذلك الوقت دخل البُعد الدينى على خط الصراع السياسى، مما زاد الأمور تعقيدًا، وهو ما ظهر عندما ذهبت الفصائل الفسلطينية إلى بكين، قبل أحداث السابع من أكتوبر، لمحاولة إتمام مصالحة، كان هناك ١٤ تنظيمًا مسلحًا، وهذا يُضعف أى محاولة لإقامة دولة، فلا يمكن بناء دولة فى ظل هذا التشرذم.
وبعد اتفاقية أوسلو، وُجد لأول مرة كيان فلسطينى على أرض فلسطينية، لكن سرعان ما قامت «حماس» بعملية تفجير فى تل أبيب، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من العنف، تلتها «مجزرة قانا»، وضاعت الفرصة.
لاحقًا تم تجاهل ملف الانتخابات، وفى عام ٢٠٠٧ استولت حماس على السلطة فى غزة، وبدأت تتصرف وكأنها تمثل دولة فلسطينية مستقلة، بل وتلقت أموالًا من إسرائيل، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وقتها فى الحكم، وسعى إلى ترسيخ الانقسام بين غزة والضفة الغربية، وقد نجح فى ذلك، مما يمثل فشلًا تاريخيًا وسوء تقدير سياسى من الجانب الفلسطينى.
وبدأ بعدها حصار الضفة الغربية، وتسارع الاستيطان، أما المقاومة، فقد تحولت من مشروع قومى- كما كان الحال فى جبهات الصمود والتصدى فى زمن كامب ديفيد- إلى حركات ذات طابع دينى كحماس والجهاد الإسلامى، بينما لعب الإخوان المسلمون دورًا كبيرًا فى بروز حماس وانتشارها.
■ ما تقييمك للدور المصرى فى دعم القضية الفلسطينية.. خاصة فى ملف إدخال المساعدات الإغاثية لسكان غزة؟
- الدور المصرى فى دعم القضية الفلسطينية ناضج جدًا ومشرّف، وهذا النضج يظهر فى قدرة مصر على تحقيق توازن دقيق بين عدة اعتبارات، مع التحرك فى إطار الإمكانات المتاحة، دون الانجرار إلى ما لا تقدر عليه.
وما كان فى استطاعتنا تقديمه قدمناه بقوة، خاصة فى ما يتعلق بتنظيم وتيسير دخول المساعدات، سواء كانت مصرية أو دولية، ورغم ذلك، لم يتوقف أى مشروع تنموى مصرى داخلى، وهو ما يعكس قدرة الدولة على إدارة الأزمات دون تعطيل مسيرة التنمية.
ومصر دولة متمرسة وناضجة، مرت بتجارب صعبة وأخرى إيجابية، وتدرك جيدًا أهمية تحقيق نوع من التوازن الحقيقى داخل العالم العربى، ولهذا حرصت على المشاركة فى القمة العربية الأخيرة، فالرسالة المصرية واضحة: هذا هو الخط القومى المصرى القائم على السلام والتنمية، لا الشعارات أو التصعيد.
■ منذ أسبوعين أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلى النار على وفد دبلوماسى دولى فى جنين.. فكيف رأيت ذلك؟
- الفكرة الصهيونية بُنيت على سردية الاضطهاد التاريخى، من خروجهم من مصر إلى ما تعرضوا له فى إسبانيا وروسيا، ووصولًا إلى «الهولوكوست» خلال الحرب العالمية الثانية، وهذه المآسى شكلت جوهر القومية الإسرائيلية الحديثة، ولكن من الغباء السياسى أن يتمسكوا بهذه الرواية رغم تغيّر الواقع، فمن الأفضل لهم أن يسعوا للسلام، وأن يتحولوا إلى قومية مندمجة وسط محيطها، مثل الأكراد أو الدروز، ويصبحوا جزءًا من منظومة التنمية والرخاء فى المنطقة.
أما ما يحدث الآن، فإسرائيل الآن فى «حالة إخوانية»، وهناك انزلاق داخل فكر «الإخوان اليهود»، الذين يحركهم النص التوراتى، تمامًا كما تفعل الجماعات الدينية المتطرفة، وهؤلاء هم من سيدفعون إسرائيل إلى حافة الهاوية.
■ ما رأيك فى الوضع العالمى منذ عودة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟
- أرى أن العالم شهد تحوّلًا كبيرًا مع عودة دونالد ترامب، الذى يمثل نقلة نوعية مقارنة بفترة حكم سلفه الرئيس جو بايدن، لأن بايدن كان امتدادًا للتقليد الأمريكى الليبرالى، المعادى لروسيا والصين، لكن دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، وكان هناك أيضًا اهتمام بالمنظمات الدولية متعددة الأطراف، وقضايا المناخ، لكن ترامب جاء ليقلب هذه التوجهات رأسًا على عقب.
وترامب يمثل نموذجًا نادرًا فى التاريخ لما يمكن أن يقوم به «الفرد» من تغيير، فهو يهاجم فكرة «العولمة»، ويتهم حلفاء أمريكا بسرقة ثرواتها بينما هم تحت حمايتها، وطرحه كان أقرب لأفكار القرن التاسع عشر، مثل زعمه بأن كندا «جزء من أمريكا»، أو أن حلف «الناتو» أصبح عبئًا.
«الترامبية» لم تنضج تمامًا بعد، لكنها قائمة على رفض النظام العالمى الليبرالى الذى تشكّل بعد الحرب الباردة، ومناهضة اتفاقيات كبرى، مثل اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة التجارة العالمية.
ورغم أن هناك من يعتقد أن «مؤامرة» أطاحت به لصالح بايدن، فإن عودته تعكس استمرار تياره السياسى.
■ كيف نظرت إلى زيارته الأخيرة لدول الخليج؟
- عند الحديث عن زيارته للخليج، لا بد من الإشارة إلى أنها كانت مبنية على منطق «التاجر» الباحث عن الربح، فترامب يعرف أن الخليج تغير، ولم يعد كما كان فى السابق، فخلال العقود الماضية، عاد آلاف الشباب الخليجى المتعلم من أمريكا وأوروبا والصين، وأصبحوا «خميرة» تطمح للتقدم والانفتاح، وليس مجرد مستهلكين.
وهذا يفسر حديث ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان عن أن الخليج سيكون «أوروبا الجديدة»، فى إشارة إلى التحول الكبير فى الرؤية والطموحات، وامتد هذا الطموح إلى دول أخرى، مثل مصر والإمارات.
الطرفان، ترامب والخليج، التقيا على أرضية المصالح المتبادلة، فترامب جاء ليحصل على استثمارات لدعم الاقتصاد الأمريكى، وسد العجز فى الميزان التجارى، والخليج يريد تكنولوجيا متقدمة، وصناعات حديثة، تعزز مناعته الأمنية وتدعم استقلاله، وما يحدث ليس «شراء حماية»، بل شراكة اقتصادية- أمنية متبادلة، فالخليج لم يعد يعتمد فقط على التاريخ، بل يبنى مستقبله.
مثلًا، الإمارات لديها مشاريع للوصول إلى القمر والمريخ، والسعودية تتوسع بقوة، وقطر متقدمة فى مجالات مثل الرياضة.
أمريكا من جانبها، تواجه عجزًا تجاريًا كبيرًا، خاصة مع الصين، وتبحث عن استثمارات خارجية تسد هذا العجز، وترامب رأى فى الخليج فرصة ذهبية لجلب رءوس الأموال، خاصة فى ظل توقف قطاعات مثل الحديد والصلب داخل الولايات المتحدة، مما أثر على قاعدته الانتخابية.
والخليج- من وجهة نظر ترامب- منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة، لكنها تحتاج صناعات كثيفة التكنولوجيا، وهذا يتفق مع حاجة أمريكا إلى أسواق تستوعب صناعاتها دون الاعتماد على أعداد ضخمة من الأيدى العاملة.
باختصار، زيارة ترامب للخليج كانت مزيجًا من الأهداف الاقتصادية والسياسية، وسط مشهد عالمى يتغير بسرعة، والخليج يسعى ليكون لاعبًا عالميًا حقيقيًا، فنحن نتحدث عن صفقة تتجاوز قيمتها ٣ تريليونات دولار، فى منطقة تعانى من عدم الاستقرار.
■ ماذا عن أوضاع المنطقة بعد الزيارة؟
- أولًا، القضية الفلسطينية تظل أزمة مزمنة، وترامب لا يبدو مقتنعًا بأن الفلسطينيين يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية، ومع كل عامين تتجدد حرب مدمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تُسوى فيها غزة بالأرض.
ترامب قادم من مجتمع مهاجرين، مثل الولايات المتحدة، حيث المفاهيم مرتبطة بأسلوب الحياة والتفكير الفردى، بينما فى منطقتنا الروابط متجذرة فى الأرض والعائلة والانتماء.
وعلى مستوى العالم، توجد فرص اقتصادية واعدة، لكنها محاطة بقلاقل سياسية وعسكرية، ومن هنا تأتى أهمية بناء عملية توازن دقيقة، من خلال خطوات تصحيحية متواصلة.
لكن فيما يتعلق بزيارة ترامب، فإن الخلل الكبير فى الإقليم يهدد أى عملية استقرار، وهناك حرب دائرة فعلًا، مع احتمالات لتوسعها، خصوصًا مع إيران، ومع جماعات مثل الحوثيين فى اليمن الذين أصبحت لديهم تكنولوجيا متطورة مثل الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى إمكانات عسكرية حقيقية، أضف إلى ذلك وجود ميليشيات مسلحة، كلها تصنع بيئة إقليمية مليئة بالقلق والتوتر.
■ هل كان لزيارة ترامب تأثير على ما يحدث فى قطاع غزة؟
- الزيارة أتاحت بالفعل فرصة لتحريك ملف المفاوضات من جديد، وتم الحديث عن هدنة، وبدأت مفاوضات فى أعقاب الزيارة، وكان هناك جدل حول ما إذا كانت الأولوية لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، أم لتهدئة مؤقتة فقط، لكن الوضع فى إسرائيل يتجاوز شخص بنيامين نتنياهو نفسه، فالأمر يرتبط بالتركيبة السياسية الإسرائيلية عمومًا، فالتيار اليمينى المتشدد داخل إسرائيل يرى أن الفلسطينيين لا يملكون أى حق فى هذه الأرض، وهناك استراتيجية واضحة هدفها التخلص من الفلسطينيين.
أما نتنياهو، فبجانب مواجهته قضايا فساد فى المحاكم، فإن بقاءه فى منصب رئيس الحكومة يمثل وسيلة للحماية السياسية، وما حدث فى ٧ أكتوبر زاد من رغبته فى الانتقام، وأعطاه ذريعة للاستمرار فى العمليات العسكرية.
وقد أبلغ أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى السابق، صراحةً، بأنه سيستمر فى قصف الفلسطينيين حتى يفتح ممرًا آمنًا تجاه مصر، يدفع الفلسطينيين للنزوح إليه، وبهذا يكون قد نفذ خطته بجعل جميع سكان غزة يتكدسون فى جنوب القطاع، من خان يونس حتى الحدود المصرية، وهى المنطقة التى يسمح فقط بدخول المساعدات الإنسانية إليها.
■ تابعتم لقاء الرئيس الأمريكى برئيس سوريا أحمد الشرع.. فكيف رأيتم خطوة رفع العقوبات الاقتصادية؟
- رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا سيكون خطوة إيجابية بكل تأكيد، خاصة فى ظل رغبة أمريكية واضحة لتحقيق قدر من الاستقرار فى المنطقة.
وترامب يسعى لتخفيف حدة التوترات، لأن المنطقة عانت كثيرًا من تبعات «الربيع العربى»، الذى أدى إلى اندلاع حروب أهلية فى سوريا واليمن والسودان، إضافة إلى الصراع المستمر فى ليبيا، والتوترات الأخيرة فى البحر الأحمر، وكل هذه الأزمات أفرزت واقعًا إقليميًا متغيرًا، يبدو وكأنه دائم أو ممتد طويلًا.
ومنذ بداية الأزمة السورية حتى اليوم، تطورت الأمور إلى حرب أهلية، حتى استطاعت إحدى القوى السيطرة على الوضع ودخلت دمشق، وإسرائيل تعاملت مع سوريا من منطلق استراتيجى بحت، بهدف ألا تستعيد سوريا قوتها مجددًا، رغم أن سوريا- منذ أيام حافظ الأسد- لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل، والمفارقة أن أغلب الهجمات على إسرائيل جاءت من أطراف أضعف، مثل لبنان أو غزة.
والدول العربية، خاصة فى الخليج، تسعى للاستقرار، وخصوصًا الدول التى لديها رؤى تنموية مثل «رؤية ٢٠٣٠»، وهذه الدول تدرك أن الاستقرار شرط أساسى لتحقيق طموحاتها، لذا فاستقرار سوريا ضرورى أيضًا لمنع تهريب الأسلحة القادمة من إيران إلى لبنان، لأنها، وبحكم موقعها الجيوسياسى، تُعد سوريا المعبر الأساسى للصواريخ والإمدادات الإيرانية إلى «حزب الله».
وقرار رفع العقوبات جاء بعد تصريحات أكثر اعتدالًا من الحكومة السورية الحالية تجاه الغرب، وهو ما مهّد الطريق لعرض سعودى لدعم هذا التوجه، وبالتالى وافق ترامب على رفع العقوبات كجزء من صفقة إقليمية أكبر.
■ ما تقييمك للقمة العربية الأخيرة التى انعقدت فى بغداد فى ظل غياب معظم القادة العرب؟
- للأسف، لا يوجد لدينا «سيستم عربى» حقيقى، ولا توجد رابطة عربية فاعلة بالمعنى الحقيقى للكلمة، والغياب الملحوظ لقادة الدول عن القمة يبعث رسالة سلبية إلى العالم، مفادها أن المنطقة غير متماسكة، وأن التنسيق العربى فى أضعف حالاته.
■ ماذا عن كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال قمة بغداد؟
- كلمة الرئيس السيسى كانت قوية وواضحة، فمصر قالت موقفها بمنتهى الصراحة، وأعتقد أن هذا الطرح القوى يعكس التوازن الأخلاقى والقانونى الذى تسير عليه الدولة المصرية، وهو موقف له بعد تاريخى واضح.
■ بالانتقال إلى الملف الليبى.. ما تقييمك للوضع القائم حاليًا؟
- ليبيا جزء من إرث الربيع العربى، وجروحها ما زالت مفتوحة ولم تلتئم بعد، على عكس دول أخرى، مثل لبنان والسودان، وكل هذه الدول تمر بمراحل انتقالية بين الاستقرار كدولة موحدة أو الانقسام.
والنخبة السياسية فى ليبيا فشلت فشلًا ذريعًا، فبعضها يفضل الحفاظ على الوضع الحالى كما هو، دون محاولة لإحداث تغيير إيجابى، بعد أن تحولت البلاد إلى مجمع للمرتزقة والميليشيات المسلحة التى كانت مرتبطة بـ«دولة الخلافة»، وهؤلاء خرجوا بسلوكيات حمقاء. وتركيا، التى كانت تساند هذه الجماعات فى سوريا، نقلت دعمها إلى ليبيا، ما أدى إلى تصاعد أعمال التخريب.
والوضع فى ليبيا يعانى من إشكالية كبيرة، فهى فى بداية حرب أهلية حقيقية، حيث يتوافر جميع عناصر النزاع الأهلى، خصوصًا مع الانقسام الواضح بين «قوات حفتر» فى الشرق و«حكومة الدبيبة» فى الغرب.
■ ماذا عن الوضع فى السودان؟
- الوضع فى السودان، كما فى دول كثيرة أخرى، هو نتاج الضعف الشديد للدولة الوطنية وضعف النخبة السياسية، وهناك دول بدأت تشهد نوعًا من الشفاء، مثل العراق، الذى استضاف القمة العربية، وهذا يعكس مظهرًا من مظاهر التعافى. وعندما نبدأ فى التعامل مع الواقع، وندرك أن التهديدات فى الأساس داخلية، وأن الدولة لا بد أن تمتلك السياسة والسلاح معًا، يبدأ الوضع بالنضج تدريجيًا، ويبدأ التعافى والشفاء، مع محاولة استغلال الفرص المتاحة. والعراق مثال على دولة تتعافى، وفى رأيى تونس كذلك تتعافى بعد فترة سيطرة الجماعة الإخوانية، فهى من البلدان المتجانسة داخليًا.
أما السودان فقد انهار بعد انفصاله عن مصر، ومنذ ذلك الحين بدأت سلسلة من الحروب الأهلية منذ عام ١٩٥٤، والجنوب انفصل، والآن هناك مشروع لتقسيم السودان إلى خمس دول، والثمن كان فادحًا، مع وفاة أطفال، وهجرة كبيرة، ومجاعة مروعة، فثمن الاحتراب الأهلى أبشع من الاستعمار، والاحتراب الأهلى فى السودان عنيف جدًا، والجرائم التى تحدث هناك لا تقل قسوة عن الجرائم الإسرائيلية فى غزة.
■ هل ما يقوم به الحوثيون من تعطيل للملاحة فى البحر الأحمر مقصود به ضرب الاقتصاد المصرى؟
- أرى أن نتيجة ما يقومون به بالفعل تؤثر على مصر، ولم يكن هناك أى اعتبار من الحوثيين للمصالح المصرية، فصواريخ الحوثيين لم تحقق ضرب أى هدف عسكرى فى إسرائيل، وأعتقد أن ما يقوم به الحوثيون هو خيانة للعروبة، لأن أى ضرر يصيب مصر هو ضرر للمنطقة كلها.