"حج الخدمات المُزيف".. وعود بالسفر رغم الإغلاق الرسمي وتحذيرات الأمن (تحقيق)

في خضم الاستعدادات الروحانية لموسم الحج، وبينما لم يتبق سوى أيام قليلة على وقفة عرفات المباركة، وحلول عيد الأضحى، تتكشف محاولات استغلال بشعة لهذه الرغبة المقدسة تأتي في إطار استمرار البعض في استغلال شوق المسلمين إلى زيارة بيت الله الحرام لكسب أموال بالباطل.

ففي الوقت الذي تشدد فيه المملكة العربية السعودية على أهمية الالتزام بالمسارات الرسمية والضوابط الصارمة لدخول الحجاج، تنشط كيانات وأفراد يروجون لعروض حج وهمية تحت مسميات مغرية مثل "حج الخدمات" أو "تأشيرات العمل المؤدية للحج"، في محاولة للتحايل على القوانين واستغلال شغف المسلمين.

وعلى الرغم من إعلان السلطات السعودية عن انتهاء فترة استقبال طلبات تأشيرات الحج للموسم الحالي، إلا أن الواقع يكشف عن نشاط مكثف لشبكات نصب محترفة، تستغل الشغف الديني العميق لدى البعض، وتعتمد هذه العصابات على الترويج لعروض تبدو مغرية، مقدمين رحلات حج وهمية تشمل السكن والتنقلات والتأشيرات، مع وعود بالتسهيلات الكاملة.

عمالة على ورق وحج ب ١٧٠ ألف جنيه للذكور فقط

رصدت "الدستور" عدد من الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" التي زعم المسؤولون عنها قدرتهم على توفير رحلات حج لهذا العام بطرق غير نظامية.

 كانت البداية مع صفحة يديرها شخص يدعى "و.أ"، الذي كشف لنا تفاصيل برنامجه الخاص بالحج، موضحًا أن هذا البرنامج مخصص للرجال فقط حتى سن 59 عامًا، وأن الطريقة التي يعتمدون عليها للسفر تتم عبر تسجيل الحجاج على أنهم عمالة، رغم أنهم لا يؤدون أي عمل فعليًا، بل يستخدمون هذا التصنيف كوسيلة لدخول الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج.

f1042313d2.jpg

وشرح المسؤول أن شركته تقع في منطقة "العتبة" بالقاهرة، وأن تكلفة هذا البرنامج تتراوح بين 170 ألف جنيه للمؤهل المتوسط والعادي، و190 ألف جنيه للمؤهل العالي، مشيرًا إلى أن هذا السعر يشمل تنظيم الرحلة رغم انتهاء فترة استقبال التأشيرات الرسمية من قبل السلطات السعودية

21431aa131.jpg
44.jpg

 وأكد أن هذه الطريقة، التي وصفها بأنها "سفر على ورق عمالة"، تمثل حلًا بديلًا يسمح للراغبين في الحج بدخول المملكة بطريقة غير نظامية، مستغلًا بذلك ثغرات في الإجراءات الرسمية.

 

24.jpg

رغم انتهاء فترة استقبال التأشيرات..مسؤول عن صفحة رحلات حج وهمية: " حاتسافروا ب ١٧٥ ألف بس"

 كذلك رصدت "الدستور" صفحة أخرى على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحمل اسم "عمرتي"، حيث أكد مسؤولها وجود برامج ما يُسمى بـ"حج خدمات" بأسعار تتراوح بين 175 ألف و190 ألف جنيه مصري، وتشمل هذه البرامج باقات متكاملة تضم الطيران، السكن، التنقلات، والتأشيرات الموسمية، مع إقامة في كل من المدينة المنورة ومكة المكرمة، وتحديدًا في منطقة العزيزية.

22.jpg

وعند التواصل مع المسؤول عن الصفحة، أكد أن هذه البرامج قائمة وفعالة، وأنه قادر على تأمين الرحلات للراغبين في أداء فريضة الحج هذا الموسم، على الرغم من انتهاء فترة السماح باستقبال تأشيرات الحجيج من قبل السلطات السعودية. 

السفر للحج مستمر عبر صفحات النصب حتى في الأيام العشر الأولى من ذي الحجة 

لم ينته الأمر عند هذا الحد بل ومع إقبال الأيام العشر الأولى من شهر الحجة وقرب حلول عيد الأضحى المبارك، والمعروف أنه عند الوصول إلى هذا التوقيت يكون من المؤكد الإغلاق التام من قبل السلطات السعودية لاستقبال تأشيرات الحج، إلا أنه قد كشفنا أثناء البحث عن صفحات تنصب باسم الحج، وجود صفحة أخرى على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" تدعي توفير تأشيرة حج في هذا التوقيت وخلال 72 ساعة فقط.

الإعلان بدا مغريًا للغاية، خاصة أنه قد ذكر فيه أن السعر المطلوب فقط هو 240 ألف جنيه مصري، مع تأكيدات بأن الشركة "بلا حدود وترانزيت" وتعمل "بدون أية عوائق". 

23.jpg

دفعنا الفضول إلى التواصل مع مسؤولي هذه الصفحة عبر رقم الواتساب المرفق، لكشف حقيقة تلك الادعاءات، إذ بدأ التواصل بردود سريعة ومتحمسة، حيث طلب المسؤول منا إرسال صور جوازات السفر وبعض البيانات الشخصية، بالإضافة إلى دفع مبلغ مبدئي كدفعة تأمين.

 بدا الأمر وكأنه إجراء روتيني، لكن عندما بدأنا طرح أسئلة حول ترخيص الشركة، مقرها الرسمي، وطبيعة العلاقة التي تربطها بالجهات السعودية، كانت الإجابات غامضة وغير واضحة، وتم الاكتفاء بعبارات عامة مثل "لدينا علاقات خاصة في السعودية" و"كل شيء مضمون".

عند مطالبتهم بتقديم مستندات رسمية أو إثباتات تثبت شرعية عملهم، بدأ التواصل يتغير إلى التهرب والمماطلة، حيث أرسلوا صورًا مزعومة لتأشيرات سابقة وادعوا وجود عملاء سعداء، لكن دون تقديم أي وثيقة رسمية أو ترخيص معتمد، وعندما طلبنا مقابلة شخصية أو زيارة مقر الشركة، توقفوا عن الرد، مما أكد لنا أن هذه المجموعة تعتمد على وعود كاذبة لاستدراج الضحايا.

تأشيرة الحج في 48 ساعة فقط سفر ب150 ألف وفي العشر الأوائل من ذي الحجة

 

في الوقت نفسه، رصدنا صفحة أخرى في التوقيت ذاته تعرض استخراج تأشيرات حج بسعر أقل بكثير وهو  150 ألف جنيه مصري فقط، مع وعد بإصدار التأشيرة خلال 48 ساعة فقط.

 وبالتواصل مع مسؤولي هذه الصفحة عبر رقم الواتساب المرفق، بدأ المسؤول الرد بطريقة ودودة وسريعة، حيث طلب إرسال بياناتنا وتحويل مبلغ مالي عبر محفظة إلكترونية باسم شخص مجهول، مع وعد بإرسال التأشيرة إلكترونيًا خلال يومين، وعند استفسارنا عن سبب انخفاض السعر مقارنة بالسوق الرسمي، ادعى أن لديهم "كوتة خاصة" وأنهم "يتعاملون مع وكلاء سعوديين" دون تقديم أدلة أو مستندات تثبت صحة هذه الادعاءات.

ومع استمرار الحوار وطلبنا مزيدًا من التفاصيل حول الشركة المنظمة، الرحلة، والضمانات القانونية، بدأ الأسلوب يتغير إلى المماطلة والتأجيل، حيث كانت الردود تتأخر وتحتوي على أعذار مثل "ضغط العملاء" و"تأخير في الإجراءات"، وبعد عدة محاولات للمتابعة، توقف المسؤول عن الرد نهائيًا، مما كشف بوضوح أن هذه المجموعة لا تملك أي نية حقيقية لتنفيذ ما وعدت به، وأنها مجرد عملية نصب ممنهجة.

وتعتمد هذه الصفحات على استدراج الراغبين عبر رسائل مقنعة وصور لرحلات سابقة، مدعية أن لديها تصاريح رسمية رغم أن معظمها يعمل بدون تراخيص معتمدة، مما يعرض الضحايا لمخاطر كبيرة، تبدأ بفقدان الأموال ولا تنتهي بالملاحقات القانونية أو الترحيل من الأراضي السعودية.

أمين الفتوى بالأزهر الشريف عن الحج باسم الخدمات: تحايل وتدليس وآثم كل من يشترك فيه 

من جهته أكد الدكتور عبد العزيز النجار، أمين الفتوى بالأزهر الشريف، أن هذه الممارسات تمثل صورًا متعددة من التحايل المحرم شرعًا مضيفًا أن بعض هذه الشركات لا تقوم بالنصب الصربح، بل تجمع أموال الحجاج الراغبين، رغم علمها بعدم قدرتها على الوفاء بوعودها، وتستخدم هذه الأموال في قضاء ديونها أو إدارة أزماتها المالية الخاصة، قبل أن تعيدها لاحقًا لمن لم يسافر، وشدد النجار على أن هذا الفعل - حتى مع إعادة الأموال -  يعد محرمًا وأثمًا شرعًا وكل من يشترك فيه آثمًا، لما فيه من تدليس وخداع للناس وأكل لأموالهم بالباطل.

53.jpg

أضاف الدكتور النجار موضحًا أن السعي إلى الحج عبر هذه الطرق الملتوية لا يسقط عن فاعله الإثم، حتى لو استطاع الوصول إلى الأراضي المقدسة وأداء المناسك، لأنه خالف النظام الشرعي والقانوني وأضر بمصالح الحجاج الآخرين، وفتح أبواب الفوضى أمام من لا يستحقون أداء هذه الفريضة العظيمة.

وفي سياق متصل، كانت قد أعلنت قوات الأمن السعودي عن القبض على مقيم مصري بتهمة ارتكاب عمليات نصب واحتيال، من خلال نشر إعلانات وهمية لحملات حج، تضمنت وعودًا بتوفير سكن ونقل للحجاج داخل المشاعر المقدسة. 

وبحسب بيان رسمي، فقد تم إيقاف المتهم واتخاذ الإجراءات النظامية بحقه وإحالته إلى النيابة العامة، ودعا الأمن العام السعودي جميع المواطنين، والمقيمين إلى الالتزام بتعليمات وأنظمة الحج، والإبلاغ عن أي مخالفات أو حملات وهمية يتم الترويج لها.

السعودية تحذر

كما حذرت وزارة الحج والعمرة السعودية من أن دخول المملكة بتأشيرات غير مخصصة للحج يمثل مخالفة صريحة، يعاقب مرتكبها بالغرامة، والترحيل، والمنع من دخول السعودية لسنوات مقبلة.

تحذيرات مستمرة من الأوقاف والداخلية المصرية

وفي هذا الإطار، تواصلت التحذيرات من وزارة الأوقاف المصرية، التي شددت على ضرورة الالتزام بالجهات المرخصة فقط لتنظيم الحج، مؤكدة أن التعامل مع الكيانات غير الرسمية يعرض صاحبه لفقدان أمواله وربما لملاحقات قانونية. 

كذلك دعت وزارة الداخلية المصرية إلى اتخاذ الحيطة والحذر، وتوفير طرق للتحقق من الترخيص والضوابط الرسمية الخاصة بالتقديم على الحج، مؤكدة أن التعامل مع الشركات المرخصة يضمن حقوق الحجاج ويوفر حماية من النصب والاحتيال.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق سكرتير عام مطروح يتفقد المجزر ويشهد ذبح الأضاحي
التالى حكم اشتراك المضحي مع غير المضحي في ذبيحة واحدة