أكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أنه بعد أشهر من تواطئها مع إسرائيل والتراخي في مواجهة العدوان الوحشي على غزة، بدأ قادة أوروبا في استعادة مكانتهم الأخلاقية بعد استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين وإصابة مئات الآلاف وتدمير 90% من مباني القطاع، وهي الجرائم التي ترتقي للتطهير العرقي وجرائم الحرب.
وتابعت أنه في الأسابيع الأخيرة، صدرت سلسلة من التصريحات القوية غير المعتادة، والتوبيخات الدبلوماسية، والتهديدات بفرض عقوبات من العواصم الأوروبية- كل خطوة تُضخّم الأخرى، كما لو أن قطيعًا خامدًا منذ زمن قد ثار فجأة.
إسرائيل تفقد أفضليتها الأوروبية بسبب مجازر غزة
وأشارت الصحيفة إلى أنه من بين هذه التطورات، قد يكون أبرزها التعليق المحتمل لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، التي تمنح إسرائيل وصولًا تفضيليًا إلى أكبر سوق موحدة في العالم.
وفي الشهر الماضي، كسر وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلدكامب، صمت الاتحاد الأوروبي برسالة يطالب فيها بمراجعة رسمية لامتثال إسرائيل للمادة الثانية من الاتفاقية، التي تُلزمها "باحترام حقوق الإنسان".
وأثارت هذه الخطوة دول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي اصطفت وراء الفكرة. في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 20 مايو، أيدت أغلبية واضحة - 17 دولة عضوًا - الاقتراح الهولندي.
أما كايا كالاس، مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، التي بدت متشككة قبل الاجتماع، فقد بدا أنها غيّرت موقفها خلال النقاش، وأعلنت في النهاية بوضوح عن إطلاق المراجعة.
نقطة تحول تاريخية
وأشارت الصحيفة البريطانية، أن ديناميكيات الاتحاد الأوروبي قد تغيرت قبل عام، وتحديدًا عندما اقترحت إسبانيا وأيرلندا- الحكومتان الأكثر صراحةً بشأن المحنة الفلسطينية- فكرة المراجعة نفسها، ولكنهما لم تجدا دعمًا يُذكر، على النقيض من ذلك، تُعتبر هولندا تقليديًا أقرب إلى إسرائيل، وتتخذ موقفًا وسطًا للاتحاد الأوروبي في هذه القضية.
وأضافت أن المحور الذي تقوده هولندا كان يُفضل الحوار والعلاقات الوثيقة مع إسرائيل، ولكنه غيّر موقفه الآن وانضم إلى الجناح الأكثر انتقادًا، ما يعكس انقلاب الرأي العام الدولي على إسرائيل، لكن هذا لم يكن كافيًا لإجبار رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التراجع عن موقفه الإجرامي في غزة.
عزل إسرائيل اقتصاديًا
وأشارت الصحيفة إلى أن المراجعة الأوروبية لمدى انتهاك إسرائيل المادة رقم 2 من اتفاقية الشراكة الإسرائيلية الأوروبية والتي تُعرّف احترام حقوق الإنسان بأنه "عنصر أساسي" من الاتفاقية ستجرى يوم 23 يونيو خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي.
وتابعت أن هذه المراجعة ليست ضرورية لأن جرائم إسرائيل واضحة للعيان ولا تحتاج مراجعة، وتعتمد المراجعة على كل من كالاس ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين.
كلاس، وهو ليبرالي من إستونيا، كان حتى وقت قريب يتجنب انتقاد إسرائيل، إلا أنه يبدو الآن أنه قد سار على نهج الوسط السياسي في الاتحاد الأوروبي.
أما فون دير لاين، وهي ألمانية من الحزب الديمقراطي المسيحي، فتمثل الجناح الأكثر انحيازًا لإسرائيل في الاتحاد، لكن الأسبوع الماضي، وللمرة الأولى، صرّحت بأن قتل إسرائيل المدنيين أمر "مقيت" و"لا يمكن تبريره بموجب القانون الإنساني والدولي
وأشارت الصحيفة إلى أنه بمجرد انتهاء المراجعة، سيناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خيارات الخطوات التالية، والتي ينبغي أن تشمل تعليق اتفاقية الشراكة، ويتطلب التعليق الكامل إجماعًا بين جميع الدول الأعضاء السبع والعشرين، وهو أمر مستحيل بالنظر إلى دول متشددة مثل المجر، لكن تعليق العمل بعنصر التجارة التفضيلية في الاتفاقية- وهو الجزء الأكثر أهمية اقتصاديًا- لا يتطلب سوى أغلبية مؤهلة: 15 دولة عضوًا تمثل 65% على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي.