لا يُمكن الحديث عن الفن العربي دون أن يمرّ الاسم الكبير: عادل إمام، ذاك الذي لم يكن مجرّد ممثل، بل ظاهرة فنية وإنسانية، تجسّدت فيها أحوال الناس وهمومهم، فكان مرآة المجتمع وضحكته، وأحيانًا صرخته الصامتة.
منذ ظهوره في ستينيات القرن الماضي، شكّل عادل إمام حالة فنية خاصّة، إذ بدأ بأدوار ثانوية لم تلبث أن تحوّلت إلى بطولات مطلقة، بفضل خفة ظله وقدرته على تقمص الشخصيات بطبيعية مذهلة. لم يكن وسيم الشاشة التقليدي، لكنه سرق القلوب ببساطته، وفرض حضوره بذكائه الفني وحسّه الشعبي.
تميّزت مسيرته باتساعها وتنوّعها، من المسرح إلى السينما فالتلفزيون. فمن “شاهد ما شفش حاجة” و”الواد سيد الشغال”، إلى “الإرهابي”، “الإرهاب والكباب”، و”عمارة يعقوبيان”، ظلّ عادل إمام يخاطب قضايا الناس العاديين، يعبّر عنهم، ويجعلهم يضحكون ويبكون في آن.
وفي التلفزيون، كان حضوره طاغيًا مع أعمال مثل “فرقة ناجي عطا الله”، و”عوالم خفية”، وغيرها من المسلسلات التي خاض بها مغامرة الدراما الرمضانية، محتفظًا بجماهيريته رغم تغير الأجيال.
لكن سرّ عادل إمام لا يكمن فقط في حضوره الكاريزمي أو نجاحه الجماهيري، بل في قدرته النادرة على الموازنة بين الضحك والرسالة. لم يكن الفن لديه أداة للتسلية فقط، بل وسيلة للتأثير، وكثيرًا ما حملت أفلامه مواقف سياسية واجتماعية نقدية، بلغة يفهمها الجميع دون مباشرة.
لم يسلم من الانتقادات، ولم يخشَ التحديات. واجه منع أعماله، وتعرّض لحملات عديدة، لكنه استمرّ، لأنّه أدرك مبكرًا أن الفنان الحقيقي لا يعيش في برجه العاجي، بل في قلب الناس، وفي تفاصيلهم الصغيرة.
عادل إمام هو فنان الناس، وزعيم الفن، الذي تجاوز حدود الدور، ليصبح رمزًا. لم يكن مجرّد ممثل، بل ذاكرة وطن، وأيقونة جيل، لا تزال إفيهاته تتردد، ومواقفه تُروى، وابتسامته تسكن القلوب.
ومن قلبي، كواحدة من جمهور عادل إمام، أقول: لا أذكر مرحلة من عمري إلا وكان فيها حضوره دافئًا، صوته مألوفًا، ووجهه حميمًا كأحد أفراد العائلة. هو الفنان الذي رافق طفولتي في الضحكة، وشبابي في التساؤل، ونضجي في التأمل. لم يكن يمثّل فحسب، بل كان يحيا بيننا، يضحك معنا، يخاطب أحلامنا وخيباتنا بصدق نادر. في زمن تغيّر فيه كل شيء، بقي عادل إمام هو الثابت، هو الزعيم… ليس فقط على خشبة المسرح أو شاشة السينما، بل في وجدان أجيال كاملة.
وهكذا يبقى عادل إمام أكثر من مجرّد نجم، إنه فصل كامل من تاريخنا، شريط طويل من الضحكات والدموع والوقائع التي عبرت شاشاتنا لتستقرّ في القلب. كل دور أدّاه كان أشبه برسالة، وكل إفيه قاله صار جزءًا من ذاكرتنا الجمعية. في زمن تغيّرت فيه الوجوه واللهجات، بقي عادل إمام هو “الوجه الحبيب” الذي لا يُشبه سواه.
وإن كان الفن يُقاس بالتأثير، فعادل إمام هو المقياس.
هو الزعيم الذي لا يحتاج إلى عرش، لأن عرشه قلوبنا… وكفاه.