ليست منى عبد الغني مجرد صوت عبر أثير الثمانينات ترك أثره في الذاكرة، بل هي تجربة كاملة تنتمي إلى فئة نادرة من الفنانين الذين جمعوا بين الإحساس والعقل، بين الشهرة والعمق، بين الأضواء وكرامة الظل.
عرفها الجمهور أولًا مطربة في فرقة «الأصدقاء»، حيث لم تكن تؤدي الأغنية فحسب، بل تعيشها بكل تفاصيلها. منذ خطواتها الأولى، بدا واضحًا أنها ليست مكرسة للنجاح العابر، بل للعبور الأصيل نحو قلوب الناس. وعندما اختارت الغناء منفردة، أضفت للأغنية المصرية المعاصرة دفئًا نادرًا، فغنّت للصداقة، للمرأة، للحبّ المتروّي، ولكل ما يترك أثرًا بلا صراخ.
لكن ما ميّز منى عبد الغني بحق هو ذلك الخيط الرفيع الذي ربط بين موهبتها الفنية وعقلها الأكاديمي. لم تكتفِ بسحر الميكروفون، بل جلست إلى مكاتب العلم، وتعمّقت في الصوت من زاويته العلمية. نالت درجة الدكتوراه في الموسيقى من أكاديمية الفنون، عن أطروحتها التي تناولت “الصعوبات التي تواجه دارسي الغناء في إلقاء القصيدة وكيفية التغلب عليها”. واليوم، هي أستاذة مساعدة في المعهد العالي للموسيقى العربية، تدرّس الإلقاء والتجويد، وتنقل لطلابها خبرتها الفنية والعلمية.
وعندما دخلت مجال التمثيل، أثبتت أنها تعرف كيف تمنح الدور أبعادًا داخلية بلا مبالغة أو استعراض. في كل شخصية أدّتها، احتفظت بتلك الوقار الهادئ الذي يشبه شخصيّتها الحقيقية: لا تصرخ، لا تتكلّف، بل تبوح.
ومع التمثيل، والبرامج الحوارية، والعمل الأكاديمي، ارتدت منى عبد الغني ثوبًا إنسانيًا يليق بها: امرأة عرفت الشهرة، وعرفت التراجع عنها، وعادت إليها بشروطها. امرأة لم تغيّر جلدها، بل وسّعت مداركها. لم تُغادر الفن، بل اختارت أن تسكنه من نوافذ أعمق.
منى عبد الغني ليست فقط فنانة، بل مدرسة في الأداء، ومثال للمرأة التي تحتفظ بأنوثتها وكرامتها وذكائها في آنٍ واحد. صوت لا يُنسى، واسم يعرفه جيلان على الأقل، كل منهما احتفظ بها في صندوق ذاكرته، بطريقته.
هي ليست سيرة فنية فحسب، بل خريطة امرأة عرفت كيف تكون متجددة بلا أن تفقد حقيقتها. وفي زمن السرعة والتشابه، تظلّ منى عبد الغني واحدة من الأسماء القليلة التي تشبه نفسها… فقط.