فى كتابه المرجعى الجديد «المسرح المصرى وقرن ونصف من الإبداع»، يواصل المؤرخ والناقد المسرحى الدكتور عمرو دوارة رسالته فى التوثيق المسرحى، عبر عمل موسوعى يرصد فيه رحلة المسرح المصرى من عام ١٨٧٠ حتى ٢٠٢٠، ويكشف عن التحولات الكبرى التى مرّ بها المسرح، ومدى تفاعله العميق مع المشهدين السياسى والاجتماعى فى مصر.
ويعدّ كتاب «المسرح المصرى وقرن ونصف من الإبداع» مرجعًا فريدًا ومتكاملًا للباحثين والمهتمين بتاريخ المسرح المصرى، لما يتضمنه من توثيق علمى دقيق لمسيرة المسرح فى مصر طوال مئة وخمسين عامًا من الإبداع، ليُكمل سلسلة أعمال «دوارة» الموسوعية، ويقدّم قراءة تحليلية معمقة لتاريخ المسرح المصرى.
يتميز الكتاب بتنظيمه المنهجى، حيث قسمت فصوله إلى عقود زمنية متتالية، يسلط كل منها الضوء على ملامح وتحديات كل مرحلة، إلى جانب تحليلات نوعية لحالة المسرح كمًا وكيفًا، مع تناول أثر الأحداث الكبرى، مثل ثورة ١٩١٩ وثورة ١٩٥٢ و٢٠١١ على المسرح المصرى، مسلطًا الضوء على فترات القمع والازدهار.
ومن أبرز ما يميز هذا العمل اعتماده على مصادر أولية، مثل الدوريات القديمة، إلى جانب موسوعات المؤلف السابقة، وعلى رأسها «موسوعة المسرح المصرى المصورة».
ويعد الكتاب عنوانًا بارزًا فى مكتبة الدراسات المسرحية، ومرجعًا لا غنى عنه للباحثين، بفضل ثرائه بالمادة التوثيقية، ودقته المنهجية، وشموليته فى عرض التحولات التى شكلت وجدان المسرح المصرى.
وعن الرؤية العامة التى يقدمها الكتاب حول العلاقة بين المسرح والتحولات السياسية الكبرى خلال قرن ونصف القرن، أكد «دوارة» أن رؤية الكتاب تقوم على الرصد والتوثيق الدقيق لجميع الوقائع والأحداث التاريخية، ولمختلف الأنشطة والفعاليات المسرحية والفنية، التى يتضح من خلال تتابعها الزمنى مدى التأثر والتأثير الكبيرين بين مختلف الأحداث السياسية والاجتماعية والفنية.
وأوضح ذلك بقوله: «هذا أمر منطقى، حيث إن المسرح جزء مهم من كل من المنظومتين الثقافية والفنية؛ وبالتالى تتأثر كل منظومة منهما بباقى المنظومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية، وتؤثر فيها».
وعن المنهج العلمى الذى اتبعه فى تأريخ الفرق المسرحية قال الكاتب: «نظرًا لطول الفترة التاريخية، لقرن ونصف القرن من الزمان، اعتمدت بالدرجة الأولى على المنهج التاريخى، الذى من خلاله تم تقسيم الفصول، فقسمت الفترة إلى خمسة عشر عقدًا، عشر سنوات لكل عقد، وخلال كل عقد تم الاعتماد على كل من المنهجين الموضوعى والوصفى، وكذلك على كل من المنهجين الاستقرائى والتحليلى».
وعن تقسيم فصول الكتاب ووجود مراحل زمنية أو موضوعية واضحة فى عرض المادة التاريخية، أضاف: «تم تقسيم فصول الكتاب إلى عشرة فصول- بخلاف كل من المقدمة والختام-، وذلك بالإضافة إلى قائمة المراجع وملحق الصور النادرة بكل فصل، ويتضمن كل فصل منها الأنشطة والفعاليات المسرحية خلال عقد من الزمان».
وعن تطور العلاقة بين السلطة والمسرح وتعرض المسرح للقمع أو الاحتواء خلال فترات معينة، قال «دوارة»: «الكتاب يشير إلى جميع الأحداث السياسية التى مرت بها مصر، كما يوضح كيفية انعكاسها على المسرح المصرى، ومن بينها على سبيل المثال: ثورة أحمد عرابى عام ١٨٨٢، والاحتلال البريطانى لمصر عام ١٨٨٤، وكذلك حادثة دنشواى عام ١٩٠٦، وجهود الزعيم مصطفى كامل (١٨٧٤-١٩٠٨)».
وأضاف: «كذلك يشير الكتاب إلى أحداث أهم الثورات، بدءًا من ثورة ١٩١٩ بقيادة الزعيم سعد زغلول، ثم ثورة الضباط الأحرار فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وأخيرًا ثورتى: يناير ٢٠١١، ويونيو ٢٠١٣».
وعن المصادر التى اعتمد عليها فى توثيق المعلومات قال: «تم الاعتماد على عدد كبير جدًا من المراجع، بدءًا من الدوريات مثل الصحف والمجلات، وإن كان أهم مرجع هو بلا شك «موسوعة المسرح المصرى المصورة»، التى وفقنى الله فى إعدادها فى ثمانية عشر جزءًا، واستغرق إعدادها سبعة وعشرين عامًا؛ وبالتالى فإن قائمة جميع المراجع بالموسوعة هى نفسها قائمة المراجع بهذا الكتاب».
وعن معالجة الكتاب فترة التراجع أو التحول التى شهدها المسرح المصرى فى بعض العقود، تابع: «يمكن من دراسة وتتبع خريطة الإنتاج المسرحى بكل عقد رصد مراحل الصعود والازدهار للمسرح المصرى، وكذلك عصور الهبوط والانحدار، سواء على مستوى الكم أو الكيف».
واعتبر «دوارة» هذا الكتاب هو درة إصداراته المسرحية، رغم أن الحركة النقدية سبق أن أشادت كثيرًا بجميع إصداراته ومدى دقتها.
وقال: «برغم سعادتى الكبيرة بنشر بعض إصداراتى من خلال بعض الدول العربية الشقيقة، ومن بينها الإمارات العربية، والمملكة الأردنية، والجزائر، ولبنان، فإننى حرصت طوال مسيرتى الأدبية على طباعة كتب بمصر، ومن خلال المؤسسات الثقافية الرسمية، مثل الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهيئة قصور الثقافة، والمركز القومى للمسرح والموسيقى، وذلك حتى تكون متاحة للقارئ المصرى بأسعار زهيدة، وهذا الكتاب هو التعاون الأول مع المجلس الأعلى للثقافة».
وواصل: «بالإضافة إلى أن هذ الكتاب يتكامل ويتوج جهودى فى مجال التوثيق وفى مجال إعداد الموسوعات، حيث وفقنى الله فى إعداد ثلاث موسوعات مهمة وغير مسبوقة بالمكتبة العربية، وهذا الكتاب لا يتكامل مع كل منها فقط، بل ويعتبر المفتاح الرئيسى للموسوعة الكبرى، وهى «موسوعة المسرح المصرى المصورة»، بأجزائها الثمانية عشر».
واستطرد: «الموسوعة تتكامل أيضًا مع أحدث موسوعتين، هما موسوعة «فرسان المسرح»، التى تضم أسماء ألف وخمسمائة ممثل، وموسوعة «سيدات المسرح»، التى تضم أسماء ألف وخمسمائة ممثلة، مع المسيرة الذاتية والمسيرة الفنية لعدد ثلاثمائة ممثلة».
كما أكد المؤرخ والناقد المسرحى عمرو دوارة اعتزازه الكبير بأساتذته الذين كان لهم بالغ الأثر فى تشكيل مسيرته الفنية والأكاديمية، قائلًا: «أفخر كثيرًا بأساتذتى الثلاثة الذين تعلمت على أيديهم، وأولهم شيخ النقاد الأستاذ فؤاد دوارة، وثانيهم الفنان متعدد المواهب نجيب سرور، وثالثهم أستاذى فى الإخراج المسرحى الفنان الكبير كرم مطاوع، الذى سعدت بالعمل معه كمخرج منفذ فى عدد كبير من العروض المسرحية على مدار ١٢ عامًا، بدءًا من عام ١٩٨٤ حتى رحيله عام ١٩٩٦، فى أعمال مثل: «إيزيس»، و«جاسوس فى قصر السلطان»، و«أنشودة الدم»، و«ديوان البقر»، و«ليلة حب عصرية».
وأردف: «طوال مسيرتى، التى امتدت لأكثر من خمسين عامًا، كنت حريصًا على العمل بالتوازى فى ثلاثة مجالات رئيسية، هى: الإخراج، والنقد المسرحى، والتأريخ، إلى جانب عملى الأساسى وممارستى لمهنة الهندسة، حيث أنهيت عملى الرسمى كوكيل أول وزارة النقل عام ٢٠١٥».
واختتم حديثه لـ«الدستور» بالقول: «حرصت فى هذا الكتاب على توثيق كل فعاليات وأنشطة الفرق المسرحية المختلفة، سواء التابعة للقطاع العام أو الخاص، على مدار قرن ونصف القرن من الزمان، ولا شك أن دراستى لهندسة النظم وحصولى على درجات علمية عليا فى هذا التخصص، إلى جانب حرصى على دراسة علوم الفهرسة والتصنيف والتوثيق، لعبت دورًا كبيرًا فى صقل أدواتى كمؤرخ مسرحى».