قالت الدكتورة هالة أبوعلي، مستشار رئيس معهد التخطيط القومي ورئيس الفريق البحثي المعني بإعداد دراسة "الاستثمار في صحة الأمهات وتنظيم الأسرة"، إن مصر حققت تقدمًا ملحوظًا في خفض معدل وفيات الأمهات خلال الفترة من 2001 إلى 2023، حيث انخفض المعدل من 69 حالة وفاة إلى 41 حالة لكل 100 ألف مولود حي، وهو ما يتسق مع الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة.
خدمات تنظيم الأسرة
وأوضحت أن خدمات تنظيم الأسرة لعبت دورًا محوريًا في هذا التراجع، إذ ساهمت في تقليل حالات الحمل غير المرغوب فيه، والحد من الإجهاض غير الآمن، ما ساعد على تحسين صحة النساء وتقليل المخاطر المرتبطة بالحمل والولادة، وهو ما يعكس التزام الدولة بتحقيق التغطية الصحية الشاملة.
حاجة لمزيد من الاستثمار
رغم التقدم المحرز، شددت "أبوعلي" على ضرورة زيادة الاستثمارات في خدمات رعاية الأمومة ذات التأثير المرتفع، إلى جانب خدمات تنظيم الأسرة، مؤكدة أن تحقيق الأهداف الوطنية والإقليمية يتطلب تمويلًا إضافيًا لتعزيز التغطية بهذه الخدمات وضمان استدامتها، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والضغوط السكانية.
هدف الدراسة الاستثمارية
وقالت إن دراسة "قضية الاستثمار" ترتكز على ثلاثة أهداف رئيسية: أولًا، تقدير تكلفة التوسع في خدمات الأمومة وتنظيم الأسرة؛ ثانيًا، تقييم العوائد الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذا التوسع؛ وثالثًا، تقديم دليل واضح لصناع القرار بشأن تخصيص الموارد بناءً على بيانات مدروسة ومثبتة علميًا، بما يعزز من كفاءة السياسات العامة.
كما أشارت إلى أن إعداد الدراسة تم من خلال فريق مرجعي موسع ضم ممثلين من الجهات الوطنية والوزارات والهيئات الحكومية وشركاء التنمية، ما ساعد في ضمان مصداقية البيانات وملكية النتائج، لافتة إلى أن هذا التنسيق بين المؤسسات يعكس روح الشراكة والتكامل المطلوبين لتحقيق التنمية المستدامة.
4 سيناريوهات مختلفة
واستعرضت أربعة سيناريوهات مختلفة لمستقبل التغطية بخدمات صحة الأم وتنظيم الأسرة، شملت السيناريو الأول القائم على الاستمرار في الوضع الحالي حتى عام 2030، والثاني على زيادة التغطية بنسبة 10%، والثالث وهو السيناريو الطموح الذي يسعى إلى رفع التغطية بنسبة 50%، وأخيرًا السيناريو الشمولي الذي يهدف إلى تحقيق تغطية كاملة بنسبة 100%.
وأوضحت أن السيناريو الثالث، وهو السيناريو الطموح، يتطلب زيادة الاستثمارات بنسبة 20.5% مقارنة بالسيناريو الأول، ما يعادل نحو 21.1 مليار جنيه مصري خلال الفترة من 2023 إلى 2030.
عوائد اقتصادية واجتماعية
أظهرت نتائج الدراسة أن تطبيق السيناريو الثالث من شأنه تجنب نحو 1.5 مليون حالة حمل غير مرغوب فيه، ومنع أكثر من 733 ألف حالة إجهاض غير آمن، بالإضافة إلى إنقاذ آلاف الأرواح من وفيات الأمهات والمواليد، ما ينعكس إيجابًا على مؤشرات التنمية البشرية.
وفيما يخص العائد الاقتصادي والاجتماعي، أشارت "أبوعلي"، إلى أن كل جنيه يستثمر في هذا المجال يمكن أن يحقق عائدًا قدره 170 جنيهًا أو ما يعادل 3.3 دولار مقابل كل سنتين، بإجمالي عائد يبلغ 8.3 مليار دولار خلال الفترة من 2023 إلى 2050، إذ توضح هذه الأرقام أن الاستثمار في صحة الأمهات وتنظيم الأسرة لا يعد نفقات جارية، بل هو استثمار حقيقي في رأس المال البشري والتنمية المستدامة.
تنويع أدوات التمويل
وفي ضوء ما توصلت إليه الدراسة، أكدت الدكتورة هالة أبوعلي، أهمية تعزيز التمويل العام الموجه إلى خدمات الأمومة وتنظيم الأسرة، مع ضرورة تنويع أدوات التمويل واللجوء إلى الابتكار في تصميم آليات تمويلية قادرة على استيعاب الاحتياجات المتزايدة.
كما شددت على أهمية دعم الكوادر الصحية، خاصة القابلات وفِرق التوليد، لما لهن من دور جوهري في تقديم الرعاية الصحية للنساء في مختلف مراحل الحياة.
وأشارت إلى أهمية دمج خدمات تنظيم الأسرة ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل لضمان استدامتها، إلى جانب استخدام أدوات موجهة مثل القسائم الصحية لتسهيل حصول الفئات الأكثر احتياجًا على الخدمات.
كما دعت إلى تبني منهج دورة الحياة لصحة المرأة، بدءًا من سن المراهقة وحتى ما بعد سن الإنجاب، لتوفير رعاية متكاملة ومستمرة.
اختتمت الدكتورة هالة أبوعلي، كلمتها بالتأكيد على ثلاث رسائل محورية: أولًا، أن الاستثمار في صحة الأمهات وتنظيم الأسرة يعد من أقل الاستثمارات تكلفة وأكثرها فاعلية من حيث النتائج، ثانيًا، أن عوائد هذا الاستثمار لا تقتصر على الجيل الحالي، بل تمتد إلى أجيال قادمة من خلال تحسين جودة الحياة وزيادة الإنتاجية، ثالثًا أن الوصول إلى نتائج ملموسة في هذا المجال يتطلب تضافر جهود الدولة مع شركاء التنمية والقطاع الخاص، وتبني سياسات طموحة قائمة على الشواهد العلمية والتخطيط طويل الأمد.