رصد تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، واقع وتطور قطاع الطاقة الشمسية في مصر، مشيرًا إلى أنه يمثل أحد أبرز قطاعات الاقتصاد الأصفر، الذي يعتمد على التكنولوجيا والابتكار في تعظيم الاستفادة من الموارد البيئية، لا سيما في البيئات الجافة وشبه الجافة.
وأوضح التقرير أن الاقتصاد الأصفر أصبح اليوم حلًا واعدًا لتحقيق التنمية المستدامة، ويشكل قطاع الطاقة الشمسية نموذجًا متقدمًا في هذا الاتجاه، بفضل دوره الحيوي في دعم التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، فضلًا عن مساهمته في مكافحة التغير المناخي.
وبحسب التقرير، فإن الطاقة الشمسية تعد من أكثر مصادر الطاقة المتجددة الواعدة، ومن المتوقع أن تتصدر قائمة المصادر المستخدمة في توليد الكهرباء بحلول عام 2030، حيث تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الطاقة الشمسية ستمثل نحو 16% من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة من المصادر المتجددة عالميًا، مقارنة بنحو 5% في عام 2023.
استراتيجية وطنية وتحولات تشريعية وتنظيمية
لفت التقرير إلى أن الحكومة المصرية أولت اهتمامًا متزايدًا بهذا القطاع في السنوات الأخيرة، في إطار رؤيتها لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاعتماد على الطاقة النظيفة. وتعمل مصر على رفع مساهمة الطاقة المتجددة إلى 42% من إجمالي مزيج الطاقة بحلول عام 2030، وفقًا للاستراتيجية الوطنية للطاقة المتكاملة والمستدامة التي أقرها المجلس الأعلى للطاقة في أكتوبر 2016، والمستمرة في التحديث حتى عام 2040، بهدف الوصول إلى نسبة 65% من مزيج الطاقة من مصادر متجددة.
وفي هذا السياق، تم وضع أطر تنظيمية وتشريعية ومؤسسية محفزة لتعزيز نمو الطاقة الشمسية، إذ تستهدف الاستراتيجية أن تشكل الطاقة الشمسية أكثر من 26% من مزيج الطاقة الكهربائية بحلول 2030، بواقع 21.3% من الخلايا الشمسية و5.52% من المركزات الشمسية.
تطورات رقمية: قفزات نوعية في المساهمة والنمو
استعرض التقرير مؤشرات تطور الاقتصاد الأصفر للطاقة الشمسية في مصر، مشيرًا إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تقدمًا ملحوظًا في هذا القطاع بفضل الطفرة التكنولوجية. وبحسب بيانات وزارة الكهرباء، ارتفعت نسبة مساهمة الطاقة الشمسية المتولدة في إجمالي الطاقة من 0.09% عام 2015/2016 (أي ما يعادل 167.5 مليار كيلووات/ساعة) إلى نحو 2.3% في 2022/2023 بإجمالي إنتاج بلغ نحو 4977 مليار كيلووات/ساعة. كما ارتفعت القدرة المركبة للطاقة الشمسية الحرارية من 687 ميجاوات عام 2012/2013 إلى نحو 3306 ميجاوات في 2022/2023، أي ما يعادل 5.6% من إجمالي القدرة المركبة للطاقة.
وفيما يتعلق بآليات الإنتاج والاستهلاك، أوضح جهاز تنظيم مرفق الكهرباء أن قدرات "صافي القياس" لأقل من 500 كيلووات بلغت 98.98 ميجاوات، يساهم القطاع الخاص منها بـ7.71 ميجاوات، بينما بلغ حجم قدرات المشروعات الأكبر من 500 كيلووات 56.91 ميجاوات. أما مشروعات "الاستهلاك الذاتي" فقد وصلت إلى 1.4 ميجاوات للمشروعات الصغيرة، و80.73 ميجاوات للمشروعات الكبرى، يساهم القطاع الخاص منها بنحو 23.39 ميجاوات، وذلك حتى نهاية يناير 2025.
مشروعات كبرى وتوسع في الاستثمار
وسجل التقرير أن إجمالي قدرات الطاقة الشمسية في مصر بلغ 2644 ميجاوات حتى الآن من خلال ثماني محطات كبرى تم الانتهاء من تنفيذها، من بينها أربع محطات تابعة للقطاع الخاص أبرزها: مجمع بنبان، ومشروع الخلايا الفوتوفولطية بنظام صافي القياس، ومحطة أكوا باور كوم أمبو، ومحطة أبيدوس 1. كما توجد ثلاث محطات أخرى بطاقة إجمالية تصل إلى 2020 ميجاوات تحت التنفيذ، إضافة إلى ثلاث محطات للقطاع الخاص في مرحلة التطوير بطاقة 3800 ميجاوات.
دعم حكومي وتمويلات دولية
أبرز التقرير مجموعة من السياسات والبرامج الحكومية التي ساهمت في تعزيز مساهمة الاقتصاد الأصفر، من أبرزها "الأطلس الشمسي" الذي يحدد أفضل المناطق لتوليد الكهرباء من الشمس، وبرنامج "نوفي" (NWFE) الذي أطلقته وزارة التخطيط في يوليو 2022، بهدف تنفيذ محطات طاقة شمسية ورياح بقدرة 10 جيجاوات. وقد نجح البرنامج خلال عام واحد في جذب تمويلات بقيمة 2.18 مليار دولار لمشروعات القطاع الخاص في هذا المجال.
كما استعرض التقرير بعض المشروعات النموذجية المدعومة، منها مشروع "توسيع نظم الري بالطاقة الشمسية" الذي استفاد منه نحو 1.75 مليون مواطن من صغار المزارعين، ومشروع "تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية" الذي شهد إنشاء خمس محطات في أربع محافظات بقدرة 525 ألف متر مكعب يوميًا، ومن المتوقع أن تصل قدرتها إلى 1.75 مليون متر مكعب يوميًا بحلول عام 2050.
تحفيز الاستثمار والتصنيع المحلي
ومن الجهود التي اتخذتها الدولة لتحسين مناخ الاستثمار في الطاقة الشمسية، تحديد تعريفة لشراء الطاقة الشمسية في مرحلة البداية لتحفيز القطاع الخاص، ثم الانتقال إلى نظام المناقصات التنافسية بنظام "التملك والبناء والتشغيل" لجذب المستثمرين. كما تم منح مزايا جمركية لمكونات وتقنيات الطاقة النظيفة، وخُصصت نحو 7650 كيلومترًا مربعًا لصالح هيئة الطاقة المتجددة لإقامة مشروعات جديدة.
أما على صعيد التصنيع المحلي، فتسعى مصر إلى توطين صناعة الألواح والخلايا الشمسية، من خلال مشروعات مثل "نظم الخلايا الشمسية Egypt-PV"، ومجمع إنتاج السيليكون في مدينة العلمين الجديدة، إلى جانب توقيع مذكرات تفاهم مع شركات صينية وإماراتية لإنشاء مصانع لإنتاج الخلايا والألواح الشمسية والمواد الأولية اللازمة لها.
شراكات دولية وتعاون مؤسسي
استعرض التقرير أيضًا مجموعة من الشراكات الدولية في هذا المجال، من أبرزها التعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، الذي دعم قدرات مصر في تصميم وتنفيذ مناقصات تنافسية، وبدءًا بمشروع كوم أمبو للطاقة الشمسية بقدرة 200 ميجاوات، تم الوصول إلى تعريفة قياسية بلغت 0.0247 دولار أمريكي للكيلووات/ ساعة.
كما أشار إلى تعاون مصر مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) في مشاريع التسخين الصناعي بالطاقة الشمسية، والتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدعم الأنظمة الكهروضوئية الصغيرة، بالإضافة إلى التحالف الدولي للطاقة الشمسية الذي انضمت إليه مصر في مارس 2018، لتعزيز الابتكار والتمويل والتوسع في تقنيات الطاقة الشمسية.
فرص اقتصادية ومجتمعية واعدة
تطرق التقرير إلى الفرص الواعدة التي توفرها الطاقة الشمسية لمصر، وعلى رأسها المساهمة في التنمية المحلية عبر دعم القطاعات الأكثر استهلاكًا للطاقة، مثل إنارة المنازل والصناعة والري. ووفقًا لتقرير الشركة القابضة لكهرباء مصر، بلغ التوزيع النسبي لاستهلاك الكهرباء في 2022/2023 نحو 37.6% للمنازل، و27.5% للصناعة، و10.7% للحكومة والمرافق، و5.7% للزراعة والري، و5.3% للتجارة، و3.2% للإنارة العامة.
كما أشار التقرير إلى الدور المتزايد للطاقة الشمسية الكهروضوئية في خلق الوظائف، إذ أضاف القطاع نحو مليون وظيفة جديدة عالميًا عام 2022، وشكلت النساء 40% من القوى العاملة في هذا القطاع، بحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. وبلغ إجمالي وظائف الطاقة المتجددة عالميًا 13.7 مليون وظيفة، منها 4.9 مليون في الطاقة الشمسية الكهروضوئية، و4.4 مليون في طاقة الرياح، و2.5 مليون في الطاقة الكهرومائية، و2.5 مليون في الوقود الحيوي.
وأكد التقرير، أن مصر تمتلك الموارد الطبيعية والبشرية والبنية التحتية التي تؤهلها لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة، لا سيما الطاقة الشمسية. ومع الدعم الحكومي، وتوسع القطاع الخاص، واستمرار جذب الشراكات الدولية، فإن المستقبل يحمل فرصًا واسعة لتحويل الطاقة الشمسية إلى ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني، ورافعة للتنمية المستدامة.